[24]
قواعد الاحتياج الزوجي
الأربعاء 12/9/1446هــ
الأصل في العلاقة الزوجية أنها علاقة عميقة، بل هي أعمق العلاقات، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}، قال ابن سعدي: "فلا تجد بين أحد في الغالب مثل ما بين الزوجين من المودة والرحمة"، وهذا يقتضي أن يهتما الزوجان بتعميق العلاقة، ويهتما بأن يُشبع كل منهما الآخر، والأزواج في الاهتمام بالحياة الزوجية على أربعة أقسام:
o القسم الأول: من يهتم بالحياة الزوجية أولها وآخرها.
o القسم الثاني: من يهتم آخر الحياة الزوجية دون أولها.
o القسم الثالث: من يهتم أول الحياة الزوجية دون آخرها.
o القسم الرابع: من لا يهتم بها لا أولها ولا آخرها.
والموفقون أصحاب القسم الأول هم الذين كتبت لهم المقال، ويلحق بهم أصحاب القسم الثاني الذين وقع منهم قصور أول الحياة وأرادوا استدراكه آخرها، فمن ضرورات الجانب الخُلُقي في الحياة الزوجية: تعلم كيفية إشباع الزوجين لحاجات بعضهما، والذي أردت أن أرسم قواعده في هذا المقال، ومن الله التوفيق والسداد:
القاعدة الأولى: لا تنتهي احتياجاتنا إلا بالموت، فمما ينبغي إدراكه والتذكير به أن احتياجات كل منا قائمة، كنا أول الزواج أو وسطه أو آخره، نعم لكل مرحلة احتياجاتها وخصائصها، لكن الاحتياج قائم، وهذا يعني أهمية البذل للطرف الآخر حتى الموت، بل ما بعد الموت، بالدعاء، والصدقة، والذكر الحسن.
القاعدة الثانية: الاحتياجات نوعان: جسدية ونفسية، فالجسدية: كالطعام، والشراب، واللباس، والنوم، والنفسية: كالسماع، والتفهم، والتقدير، والتعاطف، والمواساة، والاستشارة، والحب، وكلا الزوجان بحاجة النوعين، والنفسية أهم، لأنها لا تصدر إلا من المحب، ولا بد أن تشبع من طرف آخر، أما الجسدية فقد يشبع المرء فيها نفسه بسهولة، ومن أمارات نضجك العاطفي: أن تكون واعيا بحاجات الآخر النفسية وتسعى في إشباعها، خاصة في العلاقات العميقة كالزواج.
القاعدة الثالثة: أخبر الآخر باحتياجاتك، فبعض الأزواج يظن أن الطرف الآخر يعرف جميع احتياجاته لكنه يتجاهلها، أو يشبعها بطريقة غير التي يريد صاحبه، وهذا كله وهم، فلا يعرف الغيب إلا الله عز وجل، ولذا فنحن هنا نعتمد على ثلاثية الإخبار: (عبّر، فصّل، ذكّر)، فتعبر عن احتياجاتك الكاملة بكل وضوح وصراحة، وتفصل تلك الاحتياجات على ما تحب، ثم تذكر بها، وستصل إلى مرادك بعون الله، وقد يوهمك الشيطان بأنه من العيب أن تعبر لزوجك بما تريد، وتظهر ضعفك واحتياجك، وما يتبع ذلك من الانكسار، والحقيقة أنه لا عيب في ذلك، لأنك لا تتوسل إلى قارعة الطريق، وإنما تطلب ذلك من دفئك التي جعلها الله لك سكنا.
القاعدة الرابعة: الحل في الحوار لا الهروب، يظن بعضهم أن الحل في الهروب إذا لم تشبع احتياجاته، وقد يتجه بعضهم للقسوة والغلظة لكنه سيعقبها الهروب أيضا، والعلاج في الحوار الزوجي، وذلك لأننا نفهم بعضنا من خلاله، فيفهم المقصر تقصيره، ويفهم الآخر سبب التقصير، ثم نتفق على تحقيق تلك الاحتياجات، ومن أسباب الهروب وساوس الشيطان أيضا، لأنه يريد إفساد العلاقة الزوجية، وبقاء المرء محروما من احتياجاته فيؤثر هذا على عبادته وعلاقاته.
القاعدة الخامسة: القيام بالأولاد لا يعني سد حاجة الآخر، يستدل بعض الأزواج على نجاح حياتهما بأنهما قائمين بشؤون الأولاد حق قيام، وقد يكون هذا صحيحا، لكنه لا يغني عن القيام بحاجات الطرف الآخر، فهناك دور زوجي، ودور تربوي، وإذا قمنا بالتربوي فلا يعني قيامنا بالزوجي، تجد هذا على مستوى الحوار، فيستغني بعض الأزواج بالحوار العائلي العام عن الحوار الزوجي الخاص، وتجده على مستوى الأفعال فيخدمان الأولاد دون خدمة بعضهما، ويعطفان على الأولاد دون العطف على بعضهما وهكذا.
القاعدة السادسة: أحب لصاحبك ما تحب لنفسك، كما تحب أن يُشبعك صاحبك فأحب أن تشبعه أنت أيضا، وذلك لأنه يقع في بعض الأسر أن يكون أحدهما جريئا والآخر خجولا، فيطلب الأول احتياجاته ويسعد، ويخجل الثاني ويسكت، فيبقى أحدهما سعيدا دون الآخر، وهذه من الأنانية التي نهانا الإسلام عنها، وينتج عنها مع الوقت آثار عكسية.
القاعدة السابعة: إذا أرضاك زوجك فارض واشكر، مما يعين على القيام بالاحتياجات ويديم المودة أن تكون الاحتياجات واضحة محددة، وإذا أُشبعت فيلحق ذلك الرضا والشكر، أما أن يجعل أحدهما الاحتياجات طويلة كثيرة غامضة، ويبقى غاضبا مهما قدم له الآخر، فهنا لن نصل إلى مبتغانا، وستبقى المشاكل قائمة، ولن تتحقق المحبة بين الزوجين، وإذا كنت تعاني من هذه المشكلة فعوّد نفسك على تحديد احتياجاتك، والرضا إذا تحققت، وشكر الآخر عليها.
القاعدة الثامنة: التنبه للأسباب الصارفة عن سد حاجة صاحبك، ومنها:
o الانهماك في الوظيفة.
o الانشغال بالأولاد.
o التعويل على عفو الآخر وكثرة مسامحته.
o ترك التعلم اعتمادا على الخبرة القديمة.
o الظن بأن الاحتياجات انتهت وأن ما بذل في السنوات الماضية كاف.
القاعدة التاسعة: رسوخ المودة هو الدافع لسد الاحتياجات، وهذا قضية كبيرة ولا يتسع المقام لشرحها، لكن الأصل أن يبدأ الزوجان حياتهما ببناء المودة، فالمودة تبنى كما يبنى البيت، وهي الدافعة للعطاء، وإذا غابت المودة ففي الغالب أن الاحتياجات لا تُشبع، ومن لم يبن المودة أول الزواج فيستطيع بناءها آخره، لكن مع كثرة الصبر وقلة التوقعات.
القاعدة العاشرة: تقوى الله سبحانه وكثرة الدعاء أعظم الأسباب، فأهم قاعدة في الباب تقوى الله سبحانه بفعل الصالحات وترك المنكرات، وكم حرمت الذنوب من خيرات، ومنعت من أرزاق، مع كثرة الإلحاح على الله بتيسير هذه القضية من الاختيار وحتى الموت.
هذه القواعد العشر بحاجة أن يدرسها الزوجان، ثم يراجعانها باستمرار، لوحدهما ومع بعضهما، لأن فيها خيرا كبيرا لمن تأمل.
سؤال اللفتة: عدد ثمرات تكثيف المعاني؟
اللهم هب لنا من أزواجنا قرة أعين..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق