[1]
الاستمساك بالمنهج
الأحـــد 7/6/1446هــ
في أزمنة الفتن يبرز سؤال الثبات بقوة، ويتساءل المسلم: كيف أثبت؟ كيف ثبت فلان؟ لماذا انتكس فلان؟ والحقيقة أن سؤال الثبات يحتاج إلى دراسة، ولا يكفي فيه مجرد السؤال العابر لأهل العلم، فضلا عن السؤال العابر لعامة الناس، بل يحتاج من طالبه إلى جمع كتب الثبات والانتكاسة، ومحاضراتهما، ودروسهما، والعكوف عليها لاستخراج خلاصتها والعمل بها، لكني في هذا المقام أريد أن أقف مع فكرة من الأفكار المهمة في هذا الموضوع.
عندما نتأمل في أحوالنا نجد أننا نتعلق بالأشخاص كثيرا ونربط ثباتنا بهم، ولذا تجدنا دائما نسأل: من المشايخ الذين نحضر لهم؟ كيف أثبت وليس عندي مشايخ في مدينتي؟ ما أفضل شيخ تحدث عن الثبات؟ كيف أجد الصاحب المثبت؟ ما الحل مع فقدان الصحبة الصالحة؟ وهذا المعنى حاضر بقوة في أنفسنا، فنشعر أن ثباتنا بقربنا من الصالحين، وزللنا ببعدنا عنهم، وهذا هو السبب في انتكاسة كثير من الناس عند فقدان المشايخ أو انتكاستهم.
والصواب هو الاستمساك بالمنهج لا بالأشخاص، فالأشخاص هم تطبيق للمنهج، ويعتريهم ما يعتريهم من الضعف أولا، ومن القصور في تطبيقه ثانيا، ومن الزلل والزيغ ثالثا، ومن الغياب رابعا، فإذا كان استمساكنا وتعلقنا بالمنهج حصلت النجــــــــــــــــــاة -بعون الله تعالى-، ولا يُفهم من هذا التزهيد في القرب من الصالحين الثابتين من المشايخ والأصحاب، ولكن المقصود ألا تعاملهم على أنهم سبب الثبات الأول، وإنما هم من أسباب الثبات، إن وجد فالحمد لله، وإن غاب فأنت مستمسك بالأصل وهو المنهج.
ويتحقق الاستمساك بالمنهج عمليا من خلال الارتباط بكتاب الله تعالى، ولذا أقول لك بكل وضوح واختصار: أعظم أسباب الثبات بعد الالتجاء إلى الله ودعائه هو تدبر القرآن الكريم، ونحن في غفلة عظيمة عن هذا المعنى، ولذا ندور في دائرة التعلق بالأشخاص، والسؤال عنهم، والتحسر عليهم، والبحث عن أشخاص آخرين يسدون الفراغ، ولا زالت المشكلة قائمة.
من أجل نعم الله علينا نزول هذا الكتاب العظيم {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ}، فهو كتاب هداية ورشاد، ونور يضيء لنا ظلمات الحياة والفتن، لكن هل الفتنا إليه وعشنا معه؟
القرآن لا يحتاج منك إلا إلى استسلام، تسلمه نفسك وعقلك، وهو سيقوم بتشكيل تصوراتك، وتصحيح مفاهيمك، وزيادة معلوماتك، ورسم طريقك، وحل مشكلاتك، وهذا المعنى سيكون بالنسبة لك علم اليقين، ثم عين اليقين، ثم حق اليقين، فالقرآن أعظم من تصوراتنا، لكننا كثيرا ما نسيء الظن به -غفر الله لنا-.
عندما تقرأ أخبار النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام في مكة تتساءل كيف ثبتوا؟ ثم تجد أن القرآن هو سر ثباتهم، واقرأ السور المكية لتوقن بذلك، فهؤلاء الصحب الكرام، كان عندهم مجلس الأرقم بن أبي الأرقم وهو الزاد الجماعي، مع قيام الليل وهو الزاد الفردي، وقد ذكر بعض أهل العلم أن القيام كان واجبا عليهم أول الأمر، ولما وجب عليهم لم ينزل عليهم من السور إلا أول العلق، وأول المزمل، والقلم، فكانوا يقومون بها ثلث الليل ونصفه وثلثيه.
وتأمل أيضا سورة البروج والتي ذكر فيها قصة أصحاب الأخدود، وما حصل لهم من قتل المؤمنين عن بكرة أبيهم، ومع ذلك قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11)} كيف يكون فوزهم كبيرا وكلهم قتلوا؟! الجواب: لأن الثبات على الحق والموت عليه هو أكبر صور الفوز، ثم ختم الله السورة فقال: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ (22)} وكأن الله يخاطب المشركين: افعلوا ما شئتم، واقتلوا من شئتم، فإن القرآن محفوظ وهو صانع الرجال! ومهما قتلتم من المؤمنين فسيصنع القرآن مؤمنين آخرين!
أعط القرآن همك وهمتك، ووقتك وجهدك، وستجده الطريق الأعظم للثبات في هذه الفتن المدلهمة، وإن حصل منك هذا فلن تستطيع أن تستغني عنه طرفة عين.
بقي أن أدلك على جواب السؤال الذي يدور في ذهنك: كيف ابدأ؟
شاهد محاضرة: "قواعد تدبر القرآن" للشيخ وليد السعيدان، ثم محاضرة: "تثوير القرآن" لعمرو الشرقاوي"، ثم محاضرة: "مفاتيح التدبر" للشيخ محمد الخضيري، وقم بتلخيصها وإتقانها، ثم طبقها عمليا بممارسة التدبر، مع دعاء الله كثيرا، وسيُفتح لك الباب شيئا فشيئا -بإذن الله تعالى-.
سؤال الالتفاتة: كيف حالك مع تدبر القرآن؟
والله أعلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق