الاثنين، 6 يناير 2025

لفتة (13) اختبار المربي

 

[13]

اختبار المربي

الأربعاء 1/7/1446هــ

للعلاقات جانبان: ظاهر وخفي، وإدراكهما من أسباب كسب القلوب ودوام العلاقات، والجهل بهما من أسباب خسارة الآخرين وفقدان العلاقات، ومن تطبيقات هذه الفكرة ما يقوم به المتربي من اختبارات للمربي، يبني عليها بعد ذلك طريقة تعامله معه، ولا تستغرب يا صاحبي فإنك تُختبر كما تختبر!

يبدأ معك المتربي بالاختبار الأول وهو اختبار الصدق، ليعرف صدقك في هم التربية، فهل تربيته هدف لك أم مجرد ادعاء؟ ومن طرق ذلك أن يقوم باستفزازك باستمرار، ويكثر من عصيانك وإغضابك، ثم ينظر في ردة فعلك وتعاملك، ويكرر هذا الاختبار مرارا حتى يصل إلى النتيجة الصادقة، وهنا ينقسم المربون إلى قسمين، الأول تكون التربية همته وهدفه، فيصبر على المتربي كثيرا، وينوّع الأساليب ويجددها، ويزداد في القراءة والاطلاع، ويبحث عن مفاتيح المتربي ونقاط ضعفه، حتى يستسلم له المتربي، أما الثاني فهو الذي يدعي هم التربية لكنها لا تمثل حقيقة الأمر من اهتمامه شيئا يُذكر، فيستسلم للمتربي، وإن كانت العلاقة اختيارية بينهما فتنقطع، أما إذا كانت إلزامية كالوالدية والتعليمية فيصبح المتربي هو المتحكم في المربي -والله المستعان-.

ومن هنا تدرك أن أكبر مشكلة يعاني منها المربون عدم صدقهم وجديتهم، لا تعنت الأبناء وشقاوتهم، فهؤلاء الأبناء بشر مثلنا، لهم نقاط ضعف ونقاط قوة، وعندهم احتياجات، ويمكنك أن تدخل لهم من عدة أبواب لكن هل حققت الصدق أولا؟

إذا نجحت أخي المربي في الاختبار الأول فأهنئك، وأخبرك بأن الاختبار الثاني الذي ينتظرك هو اختبار المكنة العلمية، فالمتربي يحب أن يكون مربيه ذا علم وثقافة، وليس المقصود أن تكون من العلماء، لكن يكون عندك حصيلة جيدة عموما، وخبرة كافية فيما تربي عليه خصوصا، وكيف تريد أن يقتنع بك ويسمع منك وهو يرى جهلك في أبسط القضايا؟!، وتذكر أخي المربي كلما زادت مسافة علو علمك عن علمه زاد استجابة لك وسماعا، وكلما قلت قلت، وانظر للطفل الصغير وهو في الخامسة والسادسة يرى أن والده أعلم رجل في الدنيا، ثم إذا بلغ الخامسة عشرة أصبح يرى والده من أجهل الناس فما السبب؟!

يغلب على ظني أنك نجحت في الاختبار الثاني أيضا فأهنئك، ثم أخبرك بالاختبار الثالث وهو اختبار الأخلاق، فهذا خير الخلق وأشرفهم وأعظمهم يخبره المولى سبحانه: {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} فكيف بي وبك؟ حالة التربية هي أصدق اختبار للأخلاق، لسببين: أحدهما: أن المتربي تحتك، والأخلاق الحقيقة تخرج مع من تحتك لا من يكون في مستواك أو فوقك، والآخر: أن المتربي يعيش معك أوقات كبيرة يظهر له فيها ألوان كثيرة من أخلاقك، فيختبر صدقك، وأمانتك، وصبرك، وعفتك، وسلامة قلبك.. وغيرها.

أما الاختبار الرابع فهو اختبار القدوة، فهل أنت متمثل لما تنطق به من توجيهات وما تحمله من أفكار؟ وهو من أشد الاختبارات، فإن الكلام سهل لكن الفعل صعب، وإذا نجحت فيه لم يكن بينك وبين المتربي من الحواجز شيء فيستجيب لك الاستجابة الكاملة، لما يرى من موافقة أفعالك لأقوالك، فأسأل الله أن يعيننا على هذه الاختبارات ويوفقنا للنجاح فيها.

قد تتألم وتعترف بأنك مقصر في الاختبارات الأربع وتبحث عن الحل، فأبشرك بأن المتربي يتيح لك الفرصة مرارا وتكرارا فهنيئا لك، وذلك لأن المتربي بطبيعته يعيد اختبارك بشكل دوري، ولا يغلق الباب بالكلية إلا بعد موقف قاس أو نتائج سيئة لزمان طويل!

وهذا سيسعدك من ناحية لكنه سيصعب عليك المهمة من ناحية أخرى، لأن هذه الاختبارات ستبقى مستمرة ما بقيت عملية التربية، فهذه الاختبارات شرط لاستجابة المتربي، فتحتاج أن تؤهل نفسك باستمرار حتى تخرج الروح من الجسد، والتربية تخبرنا بأننا لا نستطيع تربية غيرنا حتى نربي أنفسنا!

قد تسأل متعجبا: لماذا يختبرني المتربي؟ والجواب: أن التربية تعني الاستسلام والانقياد، وهذا فيه كلفة ومشقة، فالمتربي لن يستسلم لك وينقاد ويدفع ثمن هذه المشقة إلا إذا كنت أهلا لذلك -واسمح لي على هذه اللفظة-، إما إذا رسبت في الاختبارات فإنه سيتمرد عليك، وإذا نجحت ثم كرر عليك الاختبارات بعد فترة ورسبت فإنه سيقلل الاستجابة حتى يتركها!

أخيرا.. كل ما ذكرته لك يتم بطريقة خفية صامتة، فسارع في المذاكرة حتى تنجح في الاختبار القادم، يسر الله الأمر علي وعليك.

سؤال اللفتة: ما هي استعداداتك للاختبارات الأربع؟

اللهم أعنا على تربية أولادنا، وأقر أعيننا بصلاحهم..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لفتة (29) كيف أتقن فقه الحج؟

  [29] كيف أتقن فقه الحج؟ الأربعاء 25/3/1447هـــ المقبل على العلم الموفق فيه هو الذي يولي قضية ضبط العلم عناية خاصة، وذلك لأنها طريق...