الأحد، 5 يناير 2025

لفتة (12) سرقة الطالب!

 

[12]

سرقة الطالب!

الخميس 25/6/1446هــ

قررت أن أكتب عن هذه المشكلة يوم الخميس، لأنها تكون واضحة فيه غاية الوضوح، حتى لمن لم يكن عنده أولاد يدرسون!، فمن المشكلات الشهيرة والعجيبة في آن واحد عند بعض المعلمين: "سرقة وقت الطالب"، وتبدأ قبل بداية الفصل الدراسي باختيار المواد الأقل حصصا، ثم الضغط على الإدارة من أجل تقليل نصاب المادة -بحجة أن الحصص أكبر من المنهج-، ثم ترك الشرح في الأسبوع الأول وربما الثاني بحجة أن الطلاب لم يكتملوا بعد! وعدم شرح حصص يوم الخميس وما قبل الإجازة وما بعدها، والضغط اليومي على الوكيل من أجل حذف الحصة السابعة وربما السادسة حتى يبقى نزر قليل من الحصص للشرح، ثم بعد كل هذه المعارك النفسية والشخصية يدخل إلى حصته ليشرح شرحا هزيلا لا يسمن ولا يغني من جوع!

يتحجج من هذا حاله بأن "وقت الحصص كبير"، و"أن المنهج صغير"، و"الطلاب لا يتحملون الأوقات الطويلة في الشرح"، و"كثرة الكلام لا قيمة لها"، ولذا يظن أن ما يفعله منطقي، سأجيب عن ذلك جوابين الأول في فرع المشكلة، والثاني في أصلها، ففي الجواب الأول نتحدث بشكل مباشر عن التصور المذكور ونناقشه، وفي الجواب الثاني نتعمق في سبب هذا المشكلة، ومن الله التوفيق والسداد:

أولا: الجواب عن فرع المشكلة:

·       عندك أخي المعلم عدة مهام تقوم بها في حصتك: (مراجعة الدروس الماضية، التمهيد للدرس الجديد، شرح الدرس الجديد، مراجعة الدرس الجديد وإغلاقه، الإجابة عن أسئلة الطلاب، حل تمارين الدرس، تصحيح الواجب، تدوين الملاحظات المتعلقة بالحصة، الوقوف مع بعض سلوكيات الطلاب والتعليق عليها) كل واحدة منها تأخذا وقتا كبيرا فكيف بها مجتمعة؟!

·       هذا مع افتراض تمكنك من كامل وقت الحصة، لأن ضبط الطلاب يأخذ وقتا، وكلما زادت مشاغبة الطلاب زاد الوقت الممنوح للضبط، ودخول الزائرين من إدارة وأولياء يأخذ وقتا، وأخذ الحصة للنشاط يأخذ وقتا، وغياب الطلاب يأخذ وقتا.

·       وأما الأعذار الواردة وأولها: بأن المنهج صغير فجوابه: أن المنهج قد يكون صغيرا لكن شرحه يأخذ وقتا كبيرا، لأن شرح عبارات الكتاب للطالب وإفهامها إياه عبارة عبارة ليس أمرا سهلا، كما أن إدخال الوسائل والأساليب يأخذ منك وقتا، فكيف إذا كان المنهج كبيرا؟! وشرح المنهج مهمة وربطه بواقع الطالب وحياته مهمة أعظم، حتى لا يشعر الطالب أنه يتعلم كلاما خياليا ليس له ارتباط بحياته.

·       وأما العذر الثاني بأن الطلاب لا يتحملون أكثر من عشرين دقيقة فهذا كلام غير دقيق، فالطلاب على ما ربيتهم، فإن ربيتهم على العشر دقائق لم يتحملوا غيرها، وإن ربيتهم على الأربعين تحملوها وزيادة، ولكن تحتاج إلى تحضير متين، وشرح متميز، مع استخدام الأساليب الممتعة حتى يبقى الطالب معك.

·       وأما العذر الثالث بأن العبرة بخلاصة المنهج وأن كثرة الكلام لا قيمة لها، فهو كلام خطير!، إذ أن العلم كلام، فكتاب الله جل جلاله كلام، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم كلام، وعلوم الدنيا كلام، وكل ما أردته من قيم، ومفاهيم، وتصورات، وأدلة، ومواقف، فهي كلام، والكلام له وزن عظيم في الشريعة والحياة، والإيهام بأن المنهج المدرسي مجرد حشو وكلام لا فائدة منه وأنك ستقدم خلاصته وزبدته للطالب تصور مغلوط وخيانة للأمانة، وما أضعف شبابنا اليوم وكثّر أخطاءهم إلا قلة كلامنا معهم، فكثير من الآباء لا يتكلم مع أولاده، وكثير من المعلمين لا يتكلم مع طلابه، وكثير من أئمة المساجد لا يتكلم مع جماعة مسجده، فمن الذي بقي يتكلم؟ أهل الباطل والشر والتافهين والتافهات! ثم نشتكي ونتألم من تأثر أبناءنا بهم؟ والسؤال: هل تتكلم مثلما يتكلمون؟ إن المذكورين آنفا يتكلمون كثيرا ولا يملون، ويكررون ولا يملون، ويسهبون ولا يملون! وعندما صمت أهل العقل والحكمة والتربية عن الكلام وجد التافهون مجالا رحبا لإخراج زبالات أفكارهم! اعلم يا صاحبي أن جميع البشر عندهم حاجة للسمـــــــــاع لا بد أن يشبعوها، فإن لم يسمعوا النافع والمفيد سمعوا غيره.

·       أما إن أردت أن تسأل عن الحصص الفارغة التي تزيد عن كفاية المنهج أو حصص الانتظار فالجواب أنها فرصة لأمور، منها: (إعادة شرح الدروس الصعبة، أو مراجعة كامل المنهج وربطه ببعضه البعض، أو سد الخلل الحاصل في الحصص ومتطلبات المنهج من تسميع وقراءة وتصحيح وغيرها، أو فتح مجال لإكساب الطالب المهارات التخصصية والعامة، أو زرع القيم في الطلاب).

·       ومما سبق تدرك أن وقت الحصة أقل مما تحتاج بكثير لو أردت أن تخلص عملك وتبرأ ذمتك! ولن يكون عندك توقف أبدا لا يوم الخميس ولا قبل الإجازة ولا غيرها من الأوقات، فإن الأمر لا يحتمل التوقف عن الشرح وتأجيل الحصص، كما أن فيه من وجه آخر تربية للطلاب على الإهمال والكسل، ومن أكثر التوقف قصّر في الأمانة ولا بد.

·       الأصل أن المعلم يستفرغ كامل وقته لطلابه منذ السادسة والنصف وحتى الواحدة، فهذا الوقت كاملا لطلابك، سواء من خلال الحصص، أو من خلاص الأعمال المكتبية، فهناك أمور لا تستطيع فعلها في الفصل فتفعلها في المكتب، مثل: الجلوس مع الطلاب الذين لهم ظروف خاصة للنظر في أحوالهم، وحل مشكلاتهم، وترميم ضعفهم.

·       قد تسأل فتقول: ماذا أعمل في الأيام التي يغيب فيها الطلاب كاليوم الذي يسبق الإجازة أو الأسبوع الذي يسبق الاختبارات؟ فالجواب: أن لديك من الأعمال ما لا تستطيع فعله في وجود الطلاب، فتكون هذه الأيام فرصة لها، ومن أهمها: التواصل مع الآباء واللقيا بهم، إنجاز تقييم الأعمال الكتابية من واجبات واختبارات وأوراق عمل -وإن لم تكن عندك أعمال كتابية فالمصيبة أعظمُ-، رصد درجات الطلاب، إعداد الاختبارات وطباعتها، تحضير عروض الدروس، مراجعة تجربتك وتطويرها، ولو زاد بعد كل هذا وقت فهو لتطوير نفسك بقراءة كتاب أو مشاهدة دورة تزيدك في تخصصك، وترفع مستواك مع طلابك.

·       أقول كل هذا لأن كثير من المعلمين لا يحب أن يعطي من وقت المساء للمدرسة وأعمالها، وله الحق في ذلك، لكن لا يصح أن يجمع معه تفريط في وقت الدوام، وعدم إعطاء الطالب إلا الفتات!، فالأصل أن كامل وقتك هو حق للطالب، وأنت في مقابله تأخذ راتبا، فهل حللت راتبك؟!

·       أخيرا في الجواب المباشر: النظر الجزئي للحصص من أسباب وقوع هذه المشكلة، فينظر المعلم إلى حصص اليوم وكيف يتعامل معها؟، والصواب أن ينظر إلى حصص العام وكيف يفعل بها؟، ولو فعل لوجد عنده ثلاث مائة حصة أو أربع مائة أو أقل أو أكثر، وهذا أمر عظيم!، فهذا الطالب الذي بين يديك سيجلس هذا العدد الكبير من الحصص فما الذي حضّرت له من المعلومات والمهارات؟! وما هي القفزة التي ستحققها له بدراسته عندك؟!

ثانيا: الجواب عن أصل المشكلة:

وهو الذي أريد أن أغوص فيه إلى جذر المشكلة وحقيقتها، فأقول باختصار وتركيز: السبب الرئيس لهذه المعضلة هو غياب الهم وفقدان الرسالية، فإذا وجد الهم امتلأت الأوقات وضاقت، وإذا غاب الهم فاضت الأوقات واتسعت! فالمعلم الذي ينظر لراتبه يسعى أن يناله بلا عمل إن استطاع، فإن أُجبر قدم الحد الأدنى! أما من يسعى للراتب لكن يحمل هم تربية الطلاب وتعلميهم فإنه سيبذل بذلا عظيما حتى آخر يوم له في التعليم، لأن الأجر قائده، والثواب حاديه، ورضا الله مناه.

سؤال اللفتة: كيف ستنظر لوقت الدوام بعد اليوم؟

اللهم وفقنا للقيام بالأمانات الملقاة على عواتقنا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لفتة (29) كيف أتقن فقه الحج؟

  [29] كيف أتقن فقه الحج؟ الأربعاء 25/3/1447هـــ المقبل على العلم الموفق فيه هو الذي يولي قضية ضبط العلم عناية خاصة، وذلك لأنها طريق...