الخميس، 26 ديسمبر 2024

لفتة (9) أسرار الأبوة-2

 

[9]

أسرار الأبوة (2)

الاثنين 22/6/1446هــ

ذكرنا في اللفتة الماضية نصف أسرار الأبوة، وإليك نصفها الآخر:

·       تظن بعض الأمهات أن مهمة التربية سهلة، وأن القضية الأهم هي حصولها على وظيفة تحقق ذاتها من خلالها، والحقيقة أن الإعلام قد أفسد كثيرا، وهذا القضية من صور عبثه وتلبيسه، فمهمة الأم الأولى هي تربية أولادها ورعاية زوجها، وهي مهمة عظيمة وشاقة، تستغرق جل يومها وليلتها، ولا يوجد أحد يقوم بدورها غيرها، وعندما خرجت كثير من الأمهات من البيوت خسرنا خسارة كبيرة، كخسارة نزول الرماة من الجبل يوم أحد، والأب الواعي يشترط على من يتزوجها ألا تكون موظفة أو راغبة في الوظيفة حتى تقوم بدورها المنشود.

·       يذكر المربون أن أعلى صور التربية: التربية بالمعايشة، وهذه تتحقق للرجل مع زوجته وأولاده، فهم مصاحبون له مصاحبة كاملة في كل أوقاته، وهذا يسهل عليه تربيتهم وتعليمهم وتوجيههم، وهو من صور سهولة تربية الأبناء، بخلاف تربية أبناء المسلمين فإنها تحتاج إلى ذهاب لمكان معين والجلوس فيه لساعات محددة، ولذا يستطيع الأب المهتم أن يغرس في ولده ما شاء بمصاحبته، بل من طرائف هذه الفكرة تذكري لها عندما اصطحبت ابني معي لعيادة الأسنان وخرج الطبيب فبقيت الممرضة، فكان سببا في نفي الخلوة بها!

·       بعض الآباء لا تهمه قضية التوافق النفسي والعاطفي بينه وبين زوجته، ولكن تهمه قضية تربية الأبناء، والحقيقة أن الثانية مبنية على الأولى، فإذا لم تبنى الأولى لم تقم الثانية أو قامت على ضعف وإشكالات كثيرة، ولهذه المشكلة صور، منها: غياب الحوار الخاص بين الزوجين، وكثرة نقد الطرفين لبعضهما، وعدم أنس كل منهما بالآخر.

·       متابعة الأبناء تجعل الأب يرى الأخطاء قبل وقوعها، ويحدد اتجاهات ابنه ومواقفه، ويتخذ القرارات الصحيحة في الوقت المناسب، أما الغفلة والبعد، فتوقف الأب على المشكلات بعد تجذرها، ويكون الحل حينئذ صعبا مؤلما.

·       يظن بعضهم أن تجاهل المشكلات حل لها، وما درى أنه طريق لزيادتها وتضخمها، فالأب الواعي يعرف بالمشكلات والتحديات التي تمر بأولاده ويستعد لها من مبكر، ويحدّث أولاده فيها، ويسعى لمواجهتها بما يستطيع، خذ على سبيل المثال: بلوغ الابن، فهو حدث ضخم يمر بأولادنا، ويحصل فيه تغيرات كبيرة في حياتهم، ومع ذلك لا يجد عند كثير من الآباء أي اهتمام، بل يُعرض عنه من يعرض بحجة أن الأمر سيمر بسلام، وأننا لا نحتاج إلى فتح أبواب مغلقة! والحقيقة المرة أن تجاهلنا لهذا الملف من أكبر أسباب ضياع الأبناء وانحرافهم، فانتقال الابن من الطفولة إلى الرجولة، أهم من كثير من المناسبات التي نقف معها ونقيم لها الحفلات والهدايا، ونعطيها من اهتمامنا وأوقاتنا شيئا كبيرا، فدخول الابن في الرجولة يفتح عليه ثلاث ملفات كبيرة تحتاج إلى وقوف معه فيها حتى يعبرها، وقد تحدثت عن هذه الملفات في مقال: "مفترق طرق" من سلسلة "لفتة" فارجع إليه.

·       جاءني أحد طلابي ليُسمّع ما عليه من حفظ القرآن فأعجبني تميزه وأدبه، فسألته عن ترتيبه بين إخوانه، وكنت معتقدا أنه الولد الأول، لقناعتي المسبقة بأن غالب الطلاب المتميزين هم الأوائل في ترتيب الأولاد، لكني تعجبت عندما أخبرني أنه آخر العنقود!، وأن إخوته كبار وعندهم من التميز ما عندهم، بل زاد تعجبي بعد فترة عندما علمت أن والده ميت -رحمه الله وأموات المسلمين-، وهذا يفيدنا بفكرة جليلة، وهي ضرورة العدل في الجهد التربوي بين الأبناء، فكما نعدل في الطعام والشراب واللباس فكذلك ينبغي أن نعدل في التربية، فما ذنب الولد الأخير والذي قبله أن يحرموا من التربية والتعليم؟!

·       مما يغيب عن كثير من الآباء أنه بجهده في بيته يربي أولاده من جهة، ويكوّن في أذهانهم تصورا عن الأسرة من جهة أخرى، ولذا فجملة من الأولاد يطبّقون ما رأوه من والديهم في بيوتهم بالحرف، لأن هناك الكثير ممن لا يحب التعلم قبل الزواج ولا يصبر عليه، ولذا يطبق ما رآه ويسير عليه، فتنبه يا رعاك الله.

·       مهما أوتيت المرأة من عقل وحصافة فإنها بحاجة إلى رجل يوجهها ويديرها، وذلك لأن عقله أكمل من عقلها، وعنده من النظر إلى المآلات ما ليس عندها، وهذا مما يؤكد على الرجل قيامه بمسؤوليته وعدم رميها على زوجته، ومما يؤكد به على المرأة في عدم فرحها بإمكان حمل كامل هم الأسرة، أو السماح لزوجها بذلك.

سؤال اللفتة: كم تطبق من هذه الأسرار في تربيتك لأولادك؟

سال القلم بعون الله حتى كتب ما كتب وأسال الله أن يقر أعيننا بصلاح أولادنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لفتة (29) كيف أتقن فقه الحج؟

  [29] كيف أتقن فقه الحج؟ الأربعاء 25/3/1447هـــ المقبل على العلم الموفق فيه هو الذي يولي قضية ضبط العلم عناية خاصة، وذلك لأنها طريق...