[8]
أسرار الأبوة-1
الاثنين 22/6/1446هــ
عند التأمل في الأبوة وعلاقة الآباء مع أبناءهم يظهر لك من الأسرار المهمة ما يعينك بعد عون الله على تربية أولادك، وإليك عشرين سرا منها:
· أدرك أيها الأب أن علاقتك المؤثرة بابنك علاقة مؤقتة، فالمرحلة التي تستطيع فيها زرع ما شئت في ولدك، من معلومات، ومهارات، وأفكار، وقيم، لن تطول كثيرا، ولذا من الذكاء أن تتعب عندما يكون أولادك صغارا، أما إذا كبروا فسيكون دورك أقل مما تتصور.
· من ثمرات جهدك وبذلك لأبنائك احتفاظ عقولهم بكم كبير من المواقف، والعبارات، والأحداث، بخلاف من كان بعيدا عن أولاده، فما أقسى أن يعصر الابن ذهنه حتى يتذكر حدثا أو عبارة ليثني بها على والده، فكل الأولاد يحب الافتخار بوالديه، وليس المقصود من هذا أن تبذل ما تبذل من أجل ثناء ولدك والناس، وإنما تحفيزك على طول الطريق ومشقته.
· يظن كثير من الآباء أن التربية مهمة الأم فحسب، ولذا يلقي بالمسؤولية الكاملة عليها، ثم يذهب ليسبح في دنياه إما في خير أو شر، وهذا خطأ جليل، فالأم عليها قرابة 70% من التربية، بينما على الأب 30%، لكنها لا تستطيع أن تعطي السبعين حتى يعطي الثلاثين، فالأب أولا هو قائد البيت وصاحب الرؤية، ولذا فهو يخطط ويوجه والأم تنفذ، ولا تستطيع الأم أن تكون قائدة فتخطط ثم تنفذ، ثم إن الأب له هيبته وسطوته، أما الأم فهي صاحبة العاطفة والخدمة، وإذا اجتمعت عاطفة الأم مع حزم الأب ورؤيته أفلح الأولاد بإذن الله.
· من المفارقات أن الوالدان هما سند الأولاد اليوم، والأولاد سندهم غدا، فمن جهل بعض الآباء أن يسيء إلى أولاده ويهينهم ويضيعهم، ثم إذا كبر واحتاج إليهم لم يجد ما يتمنى، فالنظرة القاصرة المؤقتة بأنك ستبقى قويا لا تحتاج إلى أحد ستزول، ويدب إليك الضعف وتظل محتاجا إلى حديثهم وابتسامتهم فضلا عن خدمتهم وفهمهم.
· من المعاني اللطيفة التي أعجبتني عند طبيب نفسي مشهور، أنه مرض فترة من الفترات وكان يأذن لطلابه بأن يخدموه ويهدوا له الهدايا ويأخذوا راحتهم في تقديم ما أرادوا له وهو في ضعفه، وعلل ذلك بأنه من الإحسان إليهم أن يمكنهم مما يحبون من خدمته وإن كان في الأصل لا يحب ذلك ولا يتمناه، هذا المعنى تجده مفقودا عند عدد من الآباء، فهو يمنع أولاده من تقبيل رأسه، أو محادثته، أو الإهداء له، ولا يتجرأ عليهم في طلب الخدمة والمساعدة، ويتعب الأولاد كثيرا في إيجاد طرق لبره، ومن علامة النضج في الأبوة أن يفتح الوالد لأولاده أبواب بره على مصراعيها، وأن يمكنهم من تقبيل رأسه ويديه، ويقبل هداياهم ويتفاعل معها، ويطلب منهم الخدمة، وغير ذلك.
· جرتني فكرة النضج في الأبوة السابقة لفكرة تعلمتها وبدأت أطبقها مع ولدي وهي أن أعلمه البر بطريقة نظرية وعملية، فأما نظريا فأبين له فضل بر الوالدين، وأذكره بنصوص ذلك، كما أني أبين له شخصيتي وكيف يتعامل معي؟، ثم أجبره عمليا على بري، وأخبره لماذا غضبت هنا، ولماذا رضيت هناك!
· قضية التوازن في التربية من أجل القضايا التي تحتاج إلى دراسة وقراءة وتأمل، ولها صور عديدة: التوازن بين الحب والحزم، التوازن بين الثناء والعتاب، التوازن بين الجد واللعب، التوازن في تحميل الأبناء المسؤولية...إلخ
· من أهم صفات الأب الناجح وجود الهدف الواضح، مع الجدية في طلب الوصول إليه، وعندما تتأمل في كثير من الآباء تجد أنه فاقد للهدف، أو فاقد للجدية، أو كليهما، ولذا فابنك يختبرك فإن رأى منك جداً استسلم لك، ولا يكون هذا سريعا، بل سيظل يقاومك فترة من الزمن فإن رأى منك الصدق سار معك.
· يُبتلى بعض الآباء بقلة حبه لأحد أبنائه بسبب وبغير سبب، وأقول: جاهد نفسك على حب ابنك، وابذل كل الأسباب الموصلة إلى ذلك، فإن لم تستطع فلا تصد عنه حتى يستطيع أن يبرك، فبعض الآباء إذا أحب أحد أبنائه مكنه التمكين الكامل من بره، وسفه الباقين وأغلق الباب في وجوههم، ويحصل أيضا فتح الباب للجميع دون واحد، فيبقى الولد في هم لا ينقضي، وغم لا ينتهي، بسبب رغبته في بر والده مع عجزه عن ذلك!
· الأب الرحيم يحدد معايير رضاه ويجعلها سهلة ميسرة، ويقول لأبنائه: إن فعلتم كذا وكذا رضيت عنكم، وهذا لا يوجد إلا عند الأب الواعي، الذي يعرف أن من أهم ما يؤرق الشباب قضية البر، فيزيل هذا الهم عن أولاده ويذلل الطريق لهم، وأولادنا في الحقيقة مسلمون متقون خائفون وليسوا شياطينا كما ينطق بعضهم، لكن الخلل فينا، فإما أننا جعلناهم نافرين منا كارهين لبرنا، أو منطوين في حزن شديد لعدم قدرتهم الوصول إلى ذلك.
· يظن كثير من الناس أن القيادة لفئة محددة من الناس، والحقيقة أن كثيرا من الناس يكونون قادة لكن على صور مختلفة، أبرز تلك وأوضحها: قيادة البيت وإدارته، وعلى المرء أن يؤهل نفسه مبكرا، حتى إذا أصبح قائدا لأسرته أو عمله وإذ به قادر على القيام بتلك المهمة حق القيام، وكثير من صور الضعف التي نراها ونستغربها سببها عدم تربية المرء لنفسه، وفشله على مستوى نفسه، فيتبعه فشله على مستوى غيره.
سؤال اللفتة: كم تطبق من هذه الأسرار في تربية أولادك؟
وللحديث بقية..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق