[3]
نعمة الشباب
الخميس 20/9/1443هــ
صليت مع أحد مشايخي صلاة التراويح قبل ثلاثة أيام واستغربت من مشاركة أحد الشباب له فيها، فالذي أعرفه أن شيخي يصلي الصلاة كاملة بنفسه، فسلمت عليه بعد الصلاة وسألته عن حاله ثم سألته مستغربا: أعرف أنك تصلي التراويح كاملة بنفسك فما السبب في مشاركة هذا الشاب لك؟ فابتسم ثم قال: "منذ ثلاث سنوات لم أعد أستطيع أن أصلي الصلاة كاملة فقد كبر سني وزاد تعبي، وهذا الشاب هو ابن أختي أتيت به ليساعدني بنصف الصلاة وأنا أصلي نصفها الآخر، وهذا التعب من آثار الصيام فالصيام يرهقني، وحتى قراءتي ضعفت ولم تعد كما كنت تعرفها من قبل، ألم تنظر إلى ابن أختي؟ كان يقرأ بارك الله له بيسر وسهولة ويسرد الآيات ويستحضر محفوظه دون عناء، وهذه رسالة لكم معشر الشباب أن تغتنموا هذه السن الذهبية، وأعظم حديث يوصى به الشباب حديث (اغتنم خمسا قبل خمس) ومنها (شبابك قبل هرمك) فنحن الذين كبرنا وضعفنا أعرف الناس بمعنى هذا الحديث، ولكن الألم أن غالب الشباب لا يقدرون هذه النعمة التي يعيشونها، ولذا فأوصيك وسائر الشباب بأمرين: قوة البناء، وكثرة العطاء، فابن نفسك بناء علميا قويا، وعود نفسك على كثرة النشاط والبذل في الدعوة وكل مشروع تخدم به الإسلام، فإن فعلت فقد كسبت اثنتين: اغتنام نعمة الشباب، واستمرار أجور هذه الطاعات بإذن الله إن عجزت عنها".
واتصلت بأحد مشايخي في هذا الشهر أيضا للسلام عليه وسؤاله عن برامجه العلمية والدعوية، فقال لي: "أنا مريض بالسكر، والصيام يسبب لي الجفاف، ولذا لا أستطيع أن أتكلم كثيرا، جربت أن ألقي كلمتين أو ثلاثا أول الشهر وتعبت تعبا كبيرا فأصبحت لا ألقي خلال نهار رمضان إلا كلمة مختصرة لجماعة مسجدي بعد العصر إن استطعت، ورمضان هو شهر خمول وضعف بالنسبة لي، فبالكاد أستطيع أن أقوم بالأعمال الأساسية، واعتمرت في نصف الشهر فتضاعف تعبي بعدها -والله المستعان-، وأنا بدأت ألمس تزايد ضعفي في هذه السنوات الأخيرة وعدم قدرتي على عمل ما كنت أعمله في سنوات سلفت، لكن هذه سنة الله في خلقه، فقد كنت ألقي في رمضان يوميا بعد الظهر والعصر، الظهر للدوائر الحكومية، والعصر للمساجد، وكان لي نشاط كبير لا أجده الآن"، وذكر لي شيخي أن أحد التجار أحرجه في طلب تكريم حفاظ الحلقة التي يدعمها، فرأيت الشيخ في الحفل لما يلقي أكثر من ثلاث دقائق والتعب ظاهر عليه.
وهذان الشيخان في أواخر الخمسين من أعمارهم، وقد ذكراني بزيارتي للشيخ صالح الأحمد الصيف الماضي في منزله بالرياض، والذي افتتحت جلوسي معه بسؤاله عن جديد مؤلفاته، فضحك ثم قال: "منذ خمس سنوات عجزت عن القراءة والتأليف، وعيدي هو اليوم الذي أستطيع أن أقرأ فيه وردي من القرآن، لأنه تمر علي أيام كثيرة لا أستطيع أن أقرأ شيئا منه"، ثم سألته بعض الأسئلة فلم يستطع الشيخ أن يتذكر المعلومات ولا أن يجيب عليها، فحولت الحديث لسوالف عامة وقد سعد الشيخ بهذا كثيرا، وعند مغادرتي طلبت من الشيخ أن يوصيني فقال: "أوصيك أن تغتنم مرحلة الشباب غاية الاغتنام فإن أصل العمل فيها، وأحمد الله وأشكره فكل المشاريع التي كنت أتمنى إنجازها أنجزتها قبل سن الضعف، ولذا كلما أنظر في كتبي وأتذكر ما عملته أسعد لأنني أنجزت كل المشاريع التي كنت أتمناها".
سؤال الالتفاتة: هل استشعرت نعمة الشباب وأديت شكرها؟
وصلى الله على نبينا محمد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق