[4]
أنس الروح
الأربعاء 29/7/1443هــ
في هذا الواقع الصعب الذي جفت فيه أرواحنا، وقست قلوبنا، وانهمكنا في طلب الدنيا والتلذذ بها، وتلبست بنا الفتن من كل جانب، نحتاج أن نقف مع أنفسنا وقفة جادة للمحاسبة والمراجعة، ونتساءل: كيف حالنا مع العبادة؟ وما عنايتنا بالإيمان؟ وأين وصلنا في مراتب الطاعة؟ وهل نجد لها لذة وأنسا؟ وهل نحن مستعدون للقاء الله؟ هذه الأسئلة من لم يقف معها في وقت السعة -الذي هو الحياة التي نعيشها- سيندم وقت الشدة، عندما تغرغر الروح ويوضع في القبر.
كلما نسينا أو تناسينا الموت يجب أن نذكّر أنفسنا بالحقائق الكبرى التي يبني المسلم عليها حياته، ومنها أنه خلق في الحياة لعبادة الله، قال ربنا: {وما خَلَقْتُ الْجِنَّ والانس إلا لِيَعْبُدُونِ}، والعبادة هنا بمفهومها الشامل الذي يدخل في جميع جوانب الحياة وجزئياتها وليس قاصرا كما يفهم البعض على المسجد أو مواسم العبادات فقط!
لذوق لذة العبادة أسرار، منها سران كبيران:
الأول: علو الإيمان، فعقيدتنا أن الإيمان يزيد وينقص، قال الله: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا}، وقال تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلاَّ مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا}، وزيادة الإيمان لها آثار، ونقصانه أيضا له آثار، فمن آثار زيادة الإيمان سهولة الطاعة والإقبال عليها وذوق لذتها، ومن آثار نقصانه: سهولة المعصية، وثقل الطاعة وعدم ذوق لذتها وأثرها.
والثاني: عناية المسلم بالتهيؤ للعبادة والثبات بعدها، فالظن الموجود عند كثير منا بأن أثر العبادة يتحصل لمن اشتغل بعينها فحسب ظن خاطئ، والصواب أن العبادة بحاجة لعناية قبلية وبعدية، فالقبلية بالتهيؤ والاستعداد لها، والبعدية بالثبات على ما حصل من آثارها، وخذ ثلاثة أمثلة على ذلك:
الأول: في الصلاة، فإن الخشوع فيها يتحصل لمن اعتنى بتعظيم الصلاة منذ سماع الآذان وحتى الانتهاء من النافلة، فيسمع الأذان ويترك ما بيده ويردد مع المؤذن ثم يتوضأ وينطلق للمسجد وعليه السكينة والوقار، ثم يدخل برجله اليمنى قائلا الدعاء، ويشتغل بالعبادة حتى تقام الصلاة، فإذا قال الإمام: "الله أكبر" سهل عليه الخشوع، ويستمر في ذلك حتى نهاية الصلاة، فإن انتهى منها أتى بالذكر الوارد، ثم بالنافلة، ثم يعود بعد ذلك للدنيا وقد حقق مراده.
الثاني: في الصيام، فذوق لذة رمضان وتحصيل أثره تتحقق لمن اعتنى في شعبان بالاستعداد لرمضان بجملة من الأمور العبادية كالصيام والقيام، والتفقه في الأحكام، وتحديد المشروع الرمضاني، وإنجاز الأعمال الرمضانية كشراء ملابس العيد، فإذا دخل الشهر أعطى العبادة حقها ونال أثرها، فإذا انقضى رمضان اشتغل في شوال بصيام الست، وبالثبات على ما حصل من آثار.([1])
الثالث: في العمرة، فمن كانت صلته بالعبادة وثيقه، وإيمانه في علو، وبالأخص في عبادة الدعاء، فإنه يجد أثر العمرة وسهولة حضور قلبه فيها، والاشتغال بأجل الأدعية التي تكسبه خيري الدنيا والآخرة، أما قليل الإيمان غير المعتني بالدعاء، فيصعب عليه إحضار قلبه في العمرة مع كثرة الزحام وسرعة الوقت، ويحتار كثيرا فيما يقول من الأدعية، فيخرج من العمرة وروحه لم ترتوي بعد.
سؤال اللفتة: هل تجد لذة العبادة؟
والله أعلم..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق