[7]
تربويات العمرة
أخي المعتمر: لأني أحب لك الخير، وأحب أن تكون عبادتك متقنة متقبلة، ومؤثرة على قلبك وبدنك فإني أسوق إليك جملة من التوجيهات التربوية المتعلقة بالعمرة:
· تعلم قبل أن تسافر، ولا يصح أن تقول: "العمرة واضحة ولا تحتاج إلى تعلم"، فإنك تعرف صورتها الظاهرة، ولا تعرف أحكامها التفصيلية، وهذا ما سيظهر لك بجلاء عند دراسة أحكامها، كما أن التعلم يحتاج إلى وقت، ولا يمكن تحقيقه قبل العمرة بقليل، أو أثناءها، ومن المواد النافعة في الجانب الفقهي:
o "صفة العمرة" للمنجد، فتوى تجدها في موقع الإسلام سؤال وجواب، وعليها تعليق إن رمت الزيادة لشيخنا عبد الرحمن بن فهد الودعان.
o وإن شئت محاضرة مرئية فعندك: "صفة العمرة" للودعان، أو "صفة العمرة" للشيخ خالد إسماعيل.
o أو اقرأ "كتاب العمرة" لعبد العزيز الدخيل، أو "زاد المعتمر" لفهد العماري.
o أما في الجانب الإيماني فاقرأ: كتاب "العمرة والرحلة الإيمانية"، لعادل الجهني، حتى تتقن العمرة بدنيا وقلبيا.
o وأنصحك بأن تعتمد مادة خاصة فيها خلاصة أحكام العمرة وتكررها حتى تحفظها، وهذا يسهل عليك العمرة في كل وقت، ويجعل أحكامها حاضرة في ذهنك.
· حيرتك في العُمَر الماضية في بعض المسائل تثبت لك أهمية العلم، كما يثبت لك ذلك أيضا كثرة ما ترى من أخطاء الناس، ومن تعلم حمد الله على ما وفقه إليه من العلم النافع الذي يجعله يعبد الله على بصيرة.
· أخطاء الناس كثيرة منها ما يكون في صورة العبادة، ومنها ما يكون في حقيقتها، ولا تظنن أن رؤية الآخرين لك وسكوتهم عن طريقتك دلالة على صحة ما تفعل، فإن كثيرا منهم يجهل، والقليل ممن يعلم ليس عنده وقت ليُنكر ويُعلّم، فيكتفي بإحسان عبادته ويمضي!
· قال سبحانه: {ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}، زد من تعظيمك للبيت الحرام، واعرف لكل زمان ومكان قدره، ومما يعينك على هذا: قراءة كتاب: "شرح الأربعون المكية"، للشيخ طلال أبو النور.
· احتسب لله سبحانه كل مال دفعته في العمرة، تذاكر السفر، وقيمة الإحرام، وثمن الحلاقة، وإيجار السكن، ومبلغ سيارة الأجرة، ولا تتبرم وتشتكي فإن أجرك قد يذهب، أخرج الحاكم في المستدرك من حديث عائشة -رضي الله عنها - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها في عمرتها: (إن لك من الأجر على قدر نصبك ونفقتك).
· يختلف الناس في أمر الصحبة، فإن كانت الصحبة تزيدك تعبدا وإتقانا فرافق صحبة صالحة، وإن كانت الصحبة تبدد عليك عبادتك فاعتمر بمفردك.
· عبادة الدعاء أساسية في الحج والعمرة، فطوافك دعاء، وصلاتك دعاء، وسعيك دعاء، وهذا يتطلب منا استعدادا خاصا، وأنصحك بأمرين:
o الأول: أن تأخذ كتابا موثوقا في أدعية الوحيين، وتحفظ منه ما تيسر لك، فإن خير الدعاء ما جاء في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن الكتب المقترحة: "الدعاء ويليه العلاج بالرقى من الكتاب والسنـــــــــــــــــــــــة" للشيخ سعيد بن وهف، أو كتاب "الجامع في أدعية الكتاب والسنة" للشيخ عبد اللطيف التويجري.
o الثاني: أن تأخذ ورقة وتدون فيها جميع الأدعية التي تريد أن تدعو الله بها، وهنا يأتي استحضار الأهداف، والهموم، والمشكلات، لتجمعها في هذه الورقة، ثم تحفظها وتدعو الله بها.
ثم بعد هذين تدرب على الدعاء بما حفظت حتى يسهل استحضارها على لسانك أثناء العمرة، فإن فعلت ما قلت لك تحول حالك من صعوبة الدعاء وانقضاء غالب الوقت بلا اغتنام، إلى ضيق وقتك عن الدعاء بكل ما أردت!
| أثناء الطريق
· إذا كنت مسافرا إلى مكة عبر الطائرة فهنا تنبيه مهم ذكره الشيخ المبارك سعد الخثلان فقال: "إذا كنت مسافرا بالطائرة فاستحضر أنها تسير بسرعة كبيرة تصل إلى ثمان مائة كيلو أو أكثر، ومساحة المواقيت صغيرة، فالدقيقة الواحدة في سير الطائرة مؤثرة، ومن تأخر دقيقة ربما أحرم بعد الميقات، ولذا احتط لنفسك وأحرم قبل الإعلان عن محاذاة الميقات، والإحرام قبل الميقات غاية ما فيه الكراهة، والكراهة تزول للحاجة".
· من السنة التلبية من بعد الإحرام وحتى الطواف، وهنا ملمح تربوي وهو: أن تكرار التلبية يورثك معنى الاستسلام لله عز وجل، والقلب يشرب المعاني بالتكرار، فما معنى "لبيك اللهم لبيك"؟
o " لبيك اللهم لبيك" بمعنى إجابة بعد إجابة، وكُررت إيذانا بدوام الإجابة واستمرارها.
o " لبيك اللهم لبيك" أي انقدت لك بعد انقياد.
o أنها مأخوذة من لَبّ بالمكان، إذا أقام به ولزمه، والمعنى أنا مقيم على طاعتك ملازم لها، فتتضمن التزام دوام العبودية.
o ومن معاني التلبية: حبا لك بعد حب، من قولهم "امرأة لَبًة" إذا كانت محبة لولدها، ولا يقال لبيك إلا لمن تحبه وتعظمه.
o تتضمن الإخلاص مأخوذ من لُبِّ الشيء، وهو خالصه، ومنه لُب الرجل عقله وقلبه.
o تتضمن الاقتراب مأخوذة من الإلباب وهو الاقتراب، أي اقتراب إليك بعد اقتراب.
o أنها شعار التوحيد ملة إبراهيم، الذي هو روح الحج ومقصده، بل روح العبادات كلها والمقصود منها، ولهذا كانت التلبية مفتاح هذه العبادة التي يدخل فيها بها.
o وتشتمل التلبية على:
1. حمداً لله الذي هو من أحب ما يتقرب به العبد إلى الله.
2. وعلى الاعتراف لله بالنعم كلها، ولهذا عرفها باللام المفيدة للاستغراق، أي النعم كلها لك، وأنت موليها والمنعم بها.
3. وعلى الاعتراف بأن الملك كله لله وحده، فلا ملك على الحقيقة لغيره.
· لا تعتمر أول وصولك مكة إذا كنت متعبا، لأن انتفاعك بالعبادة مقرون بحضور قلبك وإحسانك فيها، وهذا ما لا يتحقق لك مع الإرهاق، وأداء العمرة من حيث النشاط على درجات ثلاث: فأعلاها ما كان بعد نوم طويل، وأوسطها ما كان بعد نوم قصير، وأضعفها ما كان بعد الوصول مباشرة.
| قبل البدء
· اعلم -وفقك الله- لطاعته- أن مشتتات القلب في الطواف والسعي كثيرة، ومنها: الزحام، وأصوات الداعين المرتفعة، والروائح الكريهة، وبكاء الأطفال وغيرها، وأنت بحاجة إلى مجاهدة نفسك على حضور قلبك من أول العبادة وحتى آخرها، وإن لم تفعل ذهبت عليك عمرتك ولم تجد طعمها، ولا أنسى حجتي مع الشيخ عبد الله الشهراني -رحمه الله- فإنه أوصانا بهذه الوصية الجليلة قبل النزول إلى الحرم.
· تجد في الحرم كما كبيرا من النساء اللاتي لا يغطين وجوههن، أخذا بقول فقهي أو اتباعا للهوى، كيف تغض بصرك عنهم؟ اعتمر قبل الفجر إن استطعت أو بعده مباشرة ففي هذه الأوقات يكثر كبار السن ويقل الشباب، ثم اجعل نظرك في أرجل الناس، حتى يكون وسطا فلا تضعه في وجوههم فترى النساء، ولا تجعله عند قدمك فلا ترى الطريق.
· خسر كثير من المعتمرين عمرته بآفة التصوير التي ابتلينا بها السنوات الأخيرة، فإن كان يقصد الرياء بطلت عمرته، وإن لم يقصده أضاع وقت التعبد والتقرب، فهو خاسر في كلا الحالين، والموفق من لم يستجب لخدعة الشيطان في تضييع العبادة، فإنه لم يستطع أن يمنعك فعلها، لكنه صرفك عن الانتفاع بها، ولذا أغلق جوالك قبل دخول الحرم، ولا تفتحه إلا بعد الانتهاء من العمرة.
· يُلبّس الشيطان علينا بضرورة العجلة في العمرة، ويصوّر لنا أنها مهمة شاقة تحتاج إلى إنجاز، فننظر للعمرة نظرة تحد واستعجال، لا نظر تعبد وتقرب، فنخسر فيها كما خسرنا في الصلاة، والدعاء، وقراءة القرآن، رغم المسافة البعيدة التي قطعناها من أجلها فتأمل!
· احتط لعمرتك ولا تركب في الطواف والسعي إذا كنت غير معذور، فمن المسائل التي تنتشر كثيرا ركوب المستطيع في الطواف والسعي، وبيانها كما يلي: اتفق عامة أهل العلم على أن الطواف والسعي ماشياً أولى وأفضل منه راكباً، واتفقوا على أن المعذور يجوز له الطواف والسعي راكباً، سواء كان العذر مرضا أو عجزا أو مشقة أو كِبَراً في السن ونحو ذلك، أما الطواف والسعي راكبا لغير المعذور، فمحل خلاف بين أهل العلم، والظاهر أن طوافه وسعيه صحيح إن شاء الله، على أنه لا ينبغي للإنسان أن يفعل ذلك ابتداءً تحوطا لعبادته، وخروجا من خلاف العلماء.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (بعض الناس يتهاون بذلك، ويسعى على العربة بدون عذر، مع أن كثيراً من أهل العلم قالوا: إن السعي راكباً لا يصح إلا بعذر وهذه المسألة: مسألة خلاف بين العلماء، أي هل يشترط في السعي أن يكون الساعي ماشياً إلا من عذر أو لا يشترط؟ ولكن الإنسان ينبغي له أن يحتاط لدينه، وأن يسعى ماشياً مادام قادراً، فإن عجز فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها) انتهى من "مجموع الفتاوى" (22/451).
· اقترح عليك أن تسعى في غير الدور الأرضي، فتسعى في الأول أو الثاني، لأن الأرضي غالبا مزدحم ويكون الدعاء فيه والخشوع أصعب.
· لا تحرم نفسك من الدخول في رحمة الله بترك الحلق، فقد جاء في البخاري من حديث ابن عمر-رضي الله عنه-، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رحمَ اللَّهُ المحلِّقينَ قالوا: والمقصِّرينَ يا رسولَ اللَّهِ قالَ: رحمَ اللَّهُ المحلِّقينَ، قالوا: والمقصِّرينَ يا رسولَ اللَّه،ِ قالَ: رحمَ اللَّهُ المحلِّقينَ، قالوا: والمقصِّرينَ يا رسولَ اللَّهِ، قالَ: والمقصِّرين)، فقد دعا عليه الصلاة والسلام للمحلقين ثلاثا بينما دعا للمقصرين مرة واحدة، وذلك لأن الله قدم الحلق في كتابه {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ}، ولأنه فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أبلغ في العبادة، وأبين للخضوع والذلة، والذي يقصر يبقي على نفسه شيئا مما يتزين به، بخلاف الحالق فإنه يشعر بأنه ترك ذلك لله تعالى.
· إذا جلست عند الحلاق فاطلب منه أن يطبق السنة في حلق رأسك مبتدئا بالجهة اليمنى ثم اليسرى، فإنك تطبق السنة، وتعلمه سنة أو تذكره بها، ولك أجر عمله بها إن استفادها منك.
| بعد العمرة
· احمد لله جل وعلا وأكثر من شكره على تيسير العمرة، واسأله تعالى بألا يكون آخر عهدك بالبيت، وأن يتقبل منك وييسر لك الحج والعمرة.
· أنصحك أخي المعتمر بالعناية بالتنفل في الحرم، ولعلك تبحث في مسائله الفقهية.
· انتفع بما بقي من وقتك في مكة بحضور الدروس والمحاضرات، فالحرم مليء بالدروس العلمية والبرامج الدعوية، وكذلك جامع عائشة الراجحي، ويلقي هذه الدروس مشايخ مكة، والمشايخ الزوار لمكة، وتستطيع النظر لجداول الدروس وإعلاناتها في حساب شؤون الحرمين، وحساب الراجحي على الشبكة.
| المتابعة بين العمرة والعمرة
· غاية العمرة هي نيل مغفرة الله ورضوانه، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما)، وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب، كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة)، فتذكر هذه الغاية وحققها بتتابع الحج والعمرة.
· تدرج في العمرة كما تتدرج في بقية العبادات، وذلك بأن تعتمر مرة في السنة، ثم مرتين، ثم ثلاثا، ثم أربعا، حتى تصل إلى أعلى عدد تستطيعه، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، واستعن على ذلك بالدعاء فإنك لا تستطيع العبادة بغير عون الملك، حج الإمام ابن عيينة سبعين مرة، وفي كل مرة يقول بعرفة: اللهم لا تجعله آخر العهد منك، وفي آخرها قال: قد استحييت من الله تعالى فرجع فتوفي في العام القابل.
· درّب زوجتك وأولاك على العمرة، واصحبهم معك، فإن من الأخطاء الواقعة أن يعتمر الأب بمفرده دائما، وتصبح زوجته وأولاده قليلي التعظيم والرغبة في بيت الله الحرام.
· احرص يا محب على العمرة في رمضان، فإن فضلها عظيم، أخرج البخاري من حديث جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عمرة في رمضان تعدِل حجة).
بعد هذا التطواف في التوجيهات التربوية أختم لك بموقفين:
الأول: أرسلني والدي إلى عامل مصري لينجز لنا عملا، وكنت كلما أتيته الخميس أو السبت لا أجده، فسألته عن سر غيابه المتكرر، فقال لي: بحمد الله ومنته أذهب للعمرة، كل أسبوعين، وإن استطعت كل أسبوع، وذلك لأني إذا عدت إلى بلدي تصعب علي جدا العمرة، فأنا أغتنم النعمة قبل ذهابها.
والثاني: قابلت أستاذا مصريا في النقل الجماعي عائدا من مكة، وفي أثناء الحديث أخبرني أنه يعتمر كل أسبوعين مرة، وعلل ذلك بأن عقده مع الجامعة مدته أربع سنوات، وهو لا يدري أيجدد له أم لا؟ وإذا لم يجدد له وعاد سيصعب عليه الحج والعمرة.
فتأمل اغتنام هؤلاء الفضلاء قربهم من الحرم، فكيف بمن هو ساكن في المملكة، فكيف بمن هو ساكن في مكة أو قريبا منها، هذا ما تيسر إيراده وتهيأ إعداده، الله وفقنا للمتابعة بين الحج والعمرة، ولا تحرمنا من بيتك المعظم.
تم بحمد الله السادسة مساءً من ليلة الخميس
التاسع من رجب، لعام ستة وأربعين بعد الأربع مائة والألف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق