السبت، 11 يناير 2025

رؤى (6) هل تحتاجين إلى رجل؟

 

[6]

هل تحتاجين إلى رجل؟

يبدو في نظر بعض النساء أن طرحي لهذا السؤال يقتضي سلب سعادتها، وما درت أنني على العكس تماما، أراها في سعادةٍ وهميةٍ، وأريد دلالتها على السعادة الحقيقة، والله أسأل أن يأخذ بأيدينا جميعا إلى الحق وأن يوفقنا للعمل به.

عنوان هذا المقال سؤال أوجهه لكل امرأة مسلمة وأنتظر إجابته، ولا أريد أن تُنْزِله أختي على الأشخاص كزوجها وأبيها، لأن هذا التنزيل سيؤثر على الإجابة، فنحن نُنَظِّر أولا ثم ننزل إلى الواقع ثانيا حتى لا تختلط الأوراق، فإن كنتِ تشعرين بالحاجة فهنيئا لك الفطرة، ثم أسألك سؤالا آخر: إلى أي حد تحتاجين الرجل؟ وفي ماذا تحتاجينه؟، وإن كنتِ مستغنية عنه فأخلف الله عليك ذهاب فطرتكِ، وأعانك الله على عودتها إن رغبتِ.

قدر المولى سبحانه حاجة الجنسين إلى بعضهما، بل جعلها آية من آياته العظيمة الدالة على رحمته وحكمته، فقال سبحانه: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}، فالمرأة تحتاج الرجل، كما يحتاج الرجل المرأة، وإنكار هذا الاحتياج خلل في الفطرة.

تستغني المرأة عن الرجل بطريقة نظرية ثم عملية، أو عملية ثم نظرية، فإما أنها تتشرب فكرة الاستقلال ثم تمارسها عمليا، أو تمارسها عمليا ثم تتبناها نظريا، وهي في كلا الحالتين تحاول أن تثبت لنفسها ولغيرها من خلال المواقف صحة الرأي الذي تبنته، كالمريض الذي يكابر نافيا المرض، ويحاول الاستدلال بمواقف نشاطه على صحة رأيه! ولذا كثُر خروج المرأة من بيتها وامتلاء ميادين الحياة بها، حتى إن الرجل ليدخل إلى بعض الأماكن فيتفاجأ بأنه من الرجال القلائل فيه!، فيشك في خطأ مجيئه لهذا المكان العام!، بالرغم من أن الواقع هو الخطأ لو كان النساء يعلمن.

تحتاج المرأة الرجل حاجة عظيمة من الناحية الأخروية أولا، ثم من الناحية الدنيوية، فالفهم المادي للحياة يجعل المرأة تنظر للقضية بقصور فتقول: "عندي المال، والسيارة، وأستطيع أن أنجز كل ما أردت من دون رجل!"، ثم تثبت لها المواقف كما أسلفنا أنها قادرة على فعل كل ما أرادت، من بيع وشراء، وذهاب ومجيء، وسفر وعودة، بينما التصور الصحيح مختلف عن ذلك تماما.

تبدأ حاجة المرأة للرجل من كونه طريقها إلى الجنة أو إلى النار، فهذا الرجل زوجا كان أو أبا هو الذي يأخذ بها إلى جنات النعيم أو نار الجحيم، عن الحُصين بن محصَن، أن عمةً له أتت النبي عليه الصلاة والسلام في حاجةٍ فقضى حاجتها، فقال لها رسول الله عليه الصلاة والسلام: (أذات زوجٍ أنتِ؟) قالت: نعم، (قال كيف أنتِ له؟)، فقالت: ما آلُه إلا ما عجزت عنه، فقال صلى الله عليه وسلم: (فانظري أين أنت منه؟ فإنما هو جنتك، ونارك!)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصَّنَت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئتِ!).

هذه في الزوج، أما في الأب فعن أبي عبد الرحمن السُّلمي، عن أبي الدرداء رضي الله عنه؛ أنَّ رجلًا أتاه فقال: إنَّ لي امرأةً، وإنَّ أمِّي تأمرني بطلاقها، قال أبو الدرداء: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الوالدُ أوسطُ أبواب الجَنَّة)، فإنْ شئتَ فأضِعْ ذلك الباب أو احفظْه.

فلو كانت المرأة لا تحتاج إلى الرجل في الدنيا، فهي في أمس الحاجة إليه في الآخرة، كيف والحال خلاف ذلك فهي تحتاجه في الدنيا والآخرة، واحتياجها الأول له في القيادة، قال سبحانه: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ}، فقد جعل الله القوامة للرجل لسببين: الثاني: النفقة، أما الأول: فهو ما فضله الله به على المرأة، قال ابن سعدي: (أي: بسبب فضل الرجال على النساء وإفضالهم عليهن، فتفضيل الرجال على النساء من وجوه متعددة: من كون الولايات مختصة بالرجال، والنبوة، والرسالة، واختصاصهم بكثير من العبادات كالجهاد والأعياد والجمع. وبما خصهم الله به من العقل والرزانة والصبر والجلد الذي ليس للنساء مثله)، فالمرأة تحت قوامة الرجل وقيادته، وكيف يصير المقود قائدا؟!

ثاني الحاجات: الحاجة إلى التوجيه، فقد جعل الله عقل الرجل أكمل من عقل المرأة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا مَعْشَرَ النِّساءِ، تَصَدَّقْنَ وأَكْثِرْنَ الاسْتِغْفارَ، فإنِّي رَأَيْتُكُنَّ أكْثَرَ أهْلِ النَّارِ فَقالتِ امْرَأَةٌ منهنَّ جَزْلَةٌ: وما لنا يا رَسولَ اللهِ، أكْثَرُ أهْلِ النَّارِ؟ قالَ: تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وتَكْفُرْنَ العَشِيرَ، وما رَأَيْتُ مِن ناقِصاتِ عَقْلٍ ودِينٍ أغْلَبَ لِذِي لُبٍّ مِنْكُنَّ قالَتْ: يا رَسولَ اللهِ، وما نُقْصانُ العَقْلِ والدِّينِ؟ قالَ: أمَّا نُقْصانُ العَقْلِ: فَشَهادَةُ امْرَأَتَيْنِ تَعْدِلُ شَهادَةَ رَجُلٍ فَهذا نُقْصانُ العَقْلِ، وتَمْكُثُ اللَّيالِيَ ما تُصَلِّي، وتُفْطِرُ في رَمَضانَ فَهذا نُقْصانُ الدِّينِ)، وإذا كان عند الزوجة من العقل، والفهم، والعلم ما ليس عند زوجها، فهو تفوق من جهة لا من كل الجهات، وهي تستطيع أن تنفع زوجها بعقلها ورأيها دون أن تظن تفوقها عليه أو قدرتها على القوامة، ولذا تقع جملة من النساء في هذا المزلق، فإذا رأت أن عندها من الفهم والمعرفة ما ليس عند زوجها تكبرت عليه أو نازعته القوامة، فإما أن يهينها زوجها، أو يسلمها القيادة، ثم تندم بعد ذلك وتشتكي!، فلا هي التي حفظت زوجها، ولا هي التي نجحت في دورها!

أما الحاجة الثالثة فهي الحاجة إلى الحماية، فمن صور ضعف عقل المرأة: عدم إدراكها المخاطر التي حولها، فهي تظن أن العلاقة بين الجنسين قائمة على البراءة وحسن التعامل، ولا تعرف حقيقة شهوة الرجل وما ركب الله في نفسه من اشتهاء المرأة بكامل تفاصيلها، جسدها، ولباسها، وعطرها، وصوتها، وقربها، فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما تركت بعدي فتنة، أضر على الرجال من النساء)، وعنه أيضا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إنّ الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون؟ فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء)، وأحد أكبر إشكالات المرأة اليوم أنها لا تدرك أنها فتنة للرجل، وجهلها بهذه القضية جعلها تستغرب من كثير من الأمور التي تقع ولا تعرف لها جوابا، فتستغرب من الرجال الذين يغازلون ويتحرشون، وتعلل ذلك قائلة: "لم أضره في شيء فلماذا يُخطئ علي؟!"، وتستغرب من صديقها في العمل الذي كان في غاية الأخلاق والبراءة، وانقلب إلى وحش في يوم وليلة!، أما المرأة التي يكون معها رجل فإنها في حماية فلا يقترب منها أحد، ولو كانت في بيتها فإنه لن يدري عنها أحد من الرجال، وإنما يبدأ الفساد من خروج المرأة من بيتها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المرأةُ عورةٌ، وإنها إذا خرجت من بيتِها استشرفها الشيطانُ، و إنها لا تكون أقربَ إلى اللهِ منها في قَعْرِ بيتِها)، فهل تزهدين في الحماية؟!

الحاجة الرابعة: الإشباع، وهو نوعان: جسدي ونفسي، فجسدك بحاجة إلى طعام، وشراب، ونكاح، ونفسك بحاجة إلى أمن، وعاطفة، وسماع، وسكن، ولو وجدتِ الطعام والشراب بدون الرجل، فإنك لن تجدي النكاح ولا الحاجات النفسية، -مع التنبيه بأن جملة ممن حصلت الطعام والشراب بدون الزوج حصلته بطريق حرام، كوظيفة مختلطة-، ولذا تقع كثير من النساء في الانحرافات الأخلاقية بسبب احتياجها الجسدي أو النفسي، أو كليهما معا، وهذه أكثر حاجة دنيوية ظاهرة، ولا أظنك تخالفين في هذا.

ترتب على مشكلة استقلال المرأة الكثير من الآثار، منها: مخالفة المرأة الشريعة فيما أمرت به من القرار في البيت والابتعاد عن الرجال، حتى أصبحت تخرج من أجل كوب قهوة، وتستسهل مزاحمة الرجال من أجل شراء شيء من التفاهات، ومع الأيام أصبحت الكماليات ضروريات، وقد كانت تزعم أول الأمر أنها لم تخرج إلا لحاجة، ولم تختلط إلا لضرورة، لكنها سلسلة التنازلات، ومن الآثار أيضا: خروج جيل من الأولاد قد تطرق إليهم الفساد من جهة، ولم يعرفوا آباءهم إلا في مواقف نادرة من جهة أخرى، فأمه هي التي تقوم بتربيته، وحل مشاكله، والتواصل مع معلميه، وشراء أغراض البيت، والسفر به لترويحه، حتى أصبح يتيما معنويا، ومثل هذا ينقصه الكثير من المعلومات، والمهارات، والمفاهيم التي لا يجدها إلا عند أبيه الهارب! وتفسد كثير من تصوراته الحياتية عموما والأسرية خصوصا نتيجة لقيام أمه بمهمة الوالدين جميعا!

ألا تلاحظين معي أختي المباركة أن كثيرا ممن خرج من النساء واستغنت عن الرجل أنها تفتقد السكينة والسعادة؟ أصبحت موظفة، وتملك مالا، وسيارة، وخادمة، وتشتري كل ما أرادت، وتسافر إلى كل مكان، لكنها لم تسعد من داخلها، ولا زلت تبحث عن السكينة المفقودة فما السبب؟

الجواب في قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}، قال ابن سعدي: (فلا تجد بين أحد في الغالب مثل ما بين الزوجين من المودة والرحمة) فعندما تخالف المرأة فطرتها، وتترك آية الله في خلقه، وتستغني عن الأنس بزوجها فإنه ولا بد أن تشقى.

تسأل العاقلة بعد هذا البيان وكيف الطريق إلى الرجل وقد تخلى عن مسؤولياته؟ والجواب: أن هروب الرجل عن القيام بدوره مشكلة يبدأ حلها من عندك، وذلك بأن تقتنعي أولا بأهمية الرجل وبالحاجة إليها صدقا، وأن يكون ما ذُكر هو قناعة لا مجرد كلام عابر يقال باللسان، فإذا وقع قطعنا نصف الطريق، ثم بعد ذلك تذّكرين زوجك بمسؤوليته ومهامه، وإذا كانت معك فإنك تعيدنها إليه ولا تحمليها مرة أخرى، وتظلين تكررين عليه هذا الأمر وتضغطين عليه حتى يقوم بها.

 

تم بحمد الله العاشرة ليلا من ليلة الثلاثاء

السابع من رجب، لعام ستة وأربعين وأربع مائة وألف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لفتة (29) كيف أتقن فقه الحج؟

  [29] كيف أتقن فقه الحج؟ الأربعاء 25/3/1447هـــ المقبل على العلم الموفق فيه هو الذي يولي قضية ضبط العلم عناية خاصة، وذلك لأنها طريق...