نافذة الاستشارات (2) | كيف أتعامل مع من لا يقدرني؟
السؤال:
لي أقارب وأصدقاء يحصل لي معهم خلافات تؤلمني، وذلك لأني أجد بعضهم لا يفهمني، والبعض الآخر لا يقدر ما أبذل له من الخير، فلا يتلطف معي كما أتلطف معه، ولا يقدرني كما أقدره، وهذا يأخذ من تفكيري ووقتي بالأيام، ولا أدري هل الانتقام حل صحيح للتعامل معهم؟
الجواب:
الحمد لله، وبعد:
1) وجود الخلافات في حياتنا شيء طبيعي، لأنها من سنة الحياة، لكن السؤال كم نسبة هذه المشاكل؟ فإذا كانت النسبة كبيرة فالغالب أن المشكلة لديك أخي السائل، لأنه لا يعقل أن يكون كل الناس على خطأ وأنت الوحيد على صواب، أما إذا كانت المشاكل قليلة أو قريبة من المتوسطة فهي طبيعية، وممن يساعدك في تحديد هذا أن تعرض مشاكلك بالتفصيل على صاحب عقل وحكمة وتسمع رأيه، وأحيانا إذا تأملت تجد أن لديك مشكلة واحدة لكن تكبيرك لها يُخيل إليك أن كل حياتك مشاكل.
2) عادة العلاقات أنه لا يحصل فيها الفهم مبكرا، ولذا أعط للآخرين الوقت الكافي لفهمك، وساعدهم بتعريفهم بشخصيتك وطريقتك، ومن الخطأ أن تطلب من الآخرين أن يفهموك من أول موقف، أو تعاملهم بتلون ومزاجية ثم تستغرب حيرتهم في التعامل معك.
3) عود نفسك عند بذل المعروف أن ترجو أجره من الله عز وجل: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا}، وهو صعب أول الأمر لكن بالدعاء والتدريب يتحقق بإذن الله، فإن من طلب الأجر من الله لم يحزن على ما بذل، ولم ينتقد ويغتاب من لم يرد له المثل، ولم ينقطع عن بذل الخير.
4) إذا وقعت لك مشكلة فمن العقل أن تفكر فيها تفكيرا إيجابيا بالنظر في أسبابها، وحلولها، والدروس المستفادة منها، لا تفكيرا سلبيا، بالندم على ما وقع منك، واللوم على الطرف المقابل، مع إطالة التفكير فيها بما يتعب نفسك، ويشغلك عن أعمالك وأهدافك.
5) قد لا يكن العيب فيك ولا فيهم، ولكن شخصياتكم لم تتوافق، فباختصار ابحث عمن يناسبك، ويبحثون عمن يناسبهم.
6) من الأسباب لمشكلتك ولا أدري عن وجوده لديك: طلب الإنسان نفس الدرجة من العمق في جميع العلاقات، وهذا ما لا يمكن تحققه، فغالب العلاقات تكون متوسطة، وقليل منها ما يكون عميقا، وقليل منها ما يكون سطحيا.
7) سألت في آخر الكلام هل الانتقام حل؟ وقد حاولت في النقاط السابقة أن أضيء لك بمجموعة من الإضاءات في العلاقات لتزداد سعة في الحكم على الموضوع، والآن أجيب على سؤالك هذا فأقول: الانتقام يحرقك قبل أن يحرق غيرك، فإذا كنت تريد أن ترد على كل كلمة، وتقابل كل فعل، فسيطول بك التفكير، والتخطيط، والتنفيذ، والمواجهة، وستسوء حالتك النفسية بشكل كبير، مع ازدياد أعداءك يوما بعد يوم، وهذا ما لا يسلكه العاقل الفطن، خذها قاعدة عندك: أقبل على من أقبل عليك، وانصرف عمن أدبر عنك.
8) كل ما سبق جواب مباشر على سؤالك، لكني في هذه النقطة الأخيرة أريد أن أجيبك بجواب غير مباشر، وألفت نظرك إلى شيء آخر قد لا يكون في بالك، وهو أن توجد لنفسك مشروعا خاصا في شيء تحبه، وأن يكون عندك طموح عال وأهداف كبيرة تسعى لتحقيقها، وذلك لتفرغ في هذا المشروع جهدك ووقتك وهمك، وهذا المشروع له ثمرات كثيرة:
أولها: أن يكون مصدر سعادتك داخليا لا خارجيا، فتصبح السعادة بجوارك كلما أردتها تناولتها.
وثانيها: إعطاء المشكلات الخارجية حجمها الحقيقي.
وثالثها: عدم التعلق بالناس والانشغال بهم.
ورابعها: إيجاد باب من أبواب خدمة الإسلام والنفع في الآخرة.
فمن وفقه الله لهذا كان في سعادة كبيرة، ولم تكن الهموم التي ذكرتها في سؤالك كثيرة وكبيرة عنده، بل مواقفه وعلاقاته بالناس طبيعية، وإن حصلت له مشاكل فلا تصل إلى درجة تألمه بالليل والنهار، لأنه يعطيها حجمها المناسب، ثم يشتغل بنفسه، كما أن سعاته وأنسه مع نفسه أكثر من سعادته وأنسه بالناس، ولذا وصيتي لك بأن تبدأ من الآن بالبحث عن مشروع يناسبك. وللاستزادة اقرأ كتاب: "مشروع العمر" لمشعل الفلاحي، و "مشروعك الذي يلائمك" للمنجد.
والله أعلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق