الغريزة
المظلومة
بسم الله الرحمن الرحيم
{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ
فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ
وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [البقرة: 223]
ركب الله تبارك وتعالى في المخلوقات عموما وفي البشر خصوصا جملة من
الغرائز أبرزها غريزة النكاح، فهذه الغريزة جزء من تكوين الإنسان تجري فيه جريان
الدم في عروقه، وكتب الله منافذ شرعية لتفريغها بالحلال ومنافذ أخرى لتفريغها
بالحرام، وأمر المؤمنين بالاستجابة لأمره والانتهاء عن نهيه، وفي زماننا هذا حصل
خلل كبير في التعامل مع هذه الغريزة فالناس فيها قسمان: أهل الشهوة الجائزة وأهل
الشهوة المحرمة، والإشكال الواقع هو كبت أهل الشهوة الجائزة واتهامهم بالحيوانية
والهجوم عليهم عند إرادة إشباع شهواتهم، بينما أهل الشهوة المحرمة يسرحون ويمرحون
في التعامل مع شهواتهم المحرمة ويجاهرون ويفاخرون، بل تجاوز الأمر إلى نكس الفطر
وطلب الشذوذ والسعي لنشره وتشريعه ومحاربة من يعاديه! في الوقت الذي يُحرم كثير من
المسلمين وأصحاب الفطرة السوية من نيل شهواتهم بالحلال، ووقع جملة من المسلمين
عمدا وجهلا في الموقف الخطأ بالانتصار لأهل الباطل والتأثر بطرحهم الإعلامي فأردت
في مقالي هذا أن أقف محاميا للغريزة المظلومة وأعبر عن جملة من المعاني التي تحتاج
إلى بيان وتذكير وتنبيه، وأذكر قارئ المقال بالتمهل والتأني وعدم وصف الكاتب
بالجرأة أو الوقاحة وإنما مقارنة الكلام المذكور بكلام أهل الفواحش والشذوذ حتى
يستقيم له النظر.
(1) بين البلوغ والزواج؟!
يبلغ أبناؤنا في الخامسة عشرة وبناتنا في التاسعة وتثور شهواتهم مع
ذلك البلوغ لكن السؤال متى يتزوجون؟! الأصل كما نرى في واقعنا أنهم لا يتزوجون إلا
بعد التخرج من الجامعة أو الدخول في الوظيفة وهم في أواخر العشرينات أو أوسط
الثلاثينات وهذا عجب عجاب! كيف يفعلون في هذا العشر أو العشرين من السنوات؟!
أجيبوني أيها العقلاء؟!! فهذه شهوة تحتاج إلى إشباع وهي في أصلها مشكلة ثم تفاقمت
المشكلة مع هذه الفتن التي نعيشها وازدياد الشهوات وانتشار الصور المحرمة ووصولها
لمن يريد ومن لا يريد! فانتقلنا لنكون في مشكلة مركبة، وعندما يطرح هذا الكلام على
بعض الآباء يجيبون قائلين: لا يزالون صغارا وإذا كبروا تزوجوا أو لا يزالون
يحتاجون إلى بناء أنفسهم دنيويا وتأهيلها وظيفيا! والشهوة؟ لا جواب!
وأقول للآباء مدافعا عن الغريزة المظلومة: اتقوا الله في أولادكم فهم
يعيشون على جمر حار، وقد لا يجرؤ بعضهم على الحديث عما يعاني خاصة الفتيات لكن
الشهوات تغلي فيهم غليان الماء على النار، استعينوا بالله واجعلوا من همومكم
المسارعة في تزويجهم وإعفافهم، واحذروا كل الحذر من تجاهل ذلك فإن الحرام اليوم
على قارعة الطريق والوصول إليه أسهل من شرب الماء ولا يمنع الشباب من الجنسين من
الوصول إلى هذه اللذات المحرمة إلا خوف الله وقد يضعفون فيقعون وهذا الكلام لمن لم
يقع أما من وقع فكثير وانتشالهم مما هم فيه يكون أيضا بالتزويج والإحصان.
(2) زوج بالاسم!
كان رجلا أعزبا فتزوج استجابة لنداء الفطرة {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ
الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ}[آل عمران:14] (حبِّبَ إليَّ منَ الدُّنيا النِّساءُ والطِّيبُ
وجعلت قرَّةُ عيني في الصَّلاةِ) [أخرجه النسائي (3939)، وأحمد (13079) واللفظ له] وبعد فترة اكتشف أنه لم يتزوج إلا بالاسم فقط! فمقصود الزواج الأعظم
وهو الإعفاف لم يتحقق له، فزوجته تتمرد عليه كثيرا وتتمنع من إعطائه حقه في
الفراش، وأصبح هذا الموضوع يشكل قلقا كبيرا له لأن عينه لم تغض وفرجه لم يحفظ ـ والله
المستعان ـ، ويزداد الأمر سوءاً إذا كان الزوج يعمل في مكان مختلط كالمستشفيات
مثلا فالفتنة عنده أعظم.
ولذلك أسباب فقد يكون تساهل الزوج مع زوجته في طلب الاشباع من أول
الزواج سببا لتمردها عليه بعد ذلك فتجد بعضهم يتجاوز في الرفق حتى يهضم حقه الذي
تزوج من أجله، أو يتجنب الضغط على المرأة في أيامها الأولى إذا أبت فتثبت المرأة
على ذلك ويخسر هو، ومعلوم أن الرجل طالب والمرأة مطلوبة ويحتاج الأمر إلى شيء من
الحزم والإجبار حتى يحقق الرجل مراده وذلك لأن الأسباب التي تدفع الزوجة لرد الزوج
متعددة كأن تكون خجولة أو ليس لها رغبة أو تستثقل الأمر أو غير ذلك.
وقد يكون السبب انشغال المرأة برعاية أولادها وتربيتهم، فتعتني بزوجها
أول الزواج وإذا جاء الأولاد نسته وقلت عنايتها به.
وهنا أوجه رسالتي للزوجة التي تظلم زوجها في هذا الباب فأقول: اعلمي
أختي المسلمة ـ وفقك الله لطاعته ـ أن طاعة الزوج من طاعة لله بل حقه فوق حق
الوالدين وفي هذا امتحان كبير لك، وتأملي حديث النبي صلى الله عليه وسلم (لَو كنتُ آمرًا أحدًا أن يسجدَ لأحدٍ لأمرتُ
النِّساءَ أن يسجُدنَ لأزواجِهِنَّ لما جعلَ اللَّهُ لَهُم علَيهنَّ منَ الحقِّ) [أخرجه أبو داود (2140)] فالسجود
عبادة خالصة لله تعالى لكن لو كان هناك أحد بعد الله يستحق السجود له لكان الزوج
لعظيم قدره!
وأكثر ما يُدخِل المرأة النار عصيانها لزوجها،
وكفرانها إحسانه إليها: فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال:(أُريت النار؛ فإذا أكثر أهلها النساء يكفرن، قيل: أيكفرن بالله؟ قال:
يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئًا؛ قالت:
ما رأيت منك خيرًا قط) [أخرجه
البخاري (29)، ومسلم (907)] بل من عِظَم حق الزوج على زوجته أن قرن
الإسلام طاعة الزوج بإقامة الفرائض الدينية وطاعة الله؛ فعن عبد الرحمن بن عوف أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إذا صلَّت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت
فرجها، وأطاعت زوجها؛ قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئتِ) (أخرجه ابن حبان (4163)،
والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (4715) واللفظ له). فهذا بعض ما ورد في
عظيم حق الزوج ووجب طاعته عموما وهناك أحاديث أخرى في وجوب طاعته في الفراش خصوصا
والتشديد في ذلك أرجو أن تقفِ معها وقفة طويلة:
ـ قال
النبي ﷺ :(إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء لعنتها الملائكة حتى تصبح)
[رواه البخاري: 3237،
ومسلم: 1436]، وقوله:
"إلى فراشه" المقصود بالفراش الجماع، كناية عن الجماع، وهذا الحديث يفيد
اللعن، من الليل إلى الصباح، طيلة الليل الملائكة تلعنها إذا تباعدت عن فراش زوجها
بغير سبب شرعي.
ـ قال النبي صلى الله عليه وسلم:(إذا دعا الرَّجلُ زوجتَهُ لحاجتِهِ فلتأتِهِ ,
وإن كانت على التَّنُّورِ) [أخرجه الترمذي (1160)، والنسائي في ((السنن الكبرى))
(8971)]
فهل يرضيك أن تلعنك الملائكة حتى تصبحين؟! ولماذا رتبت الشريعة على
هذا الرفض عقوبة اللعن ـ وهو الطرد من رحمة الله ـ؟ ولم تجيب الزوجة زوجها في حال
شغلها ولو كانت على التنور تخبز؟!
الجواب لأن شهوة الرجل شديدة ولا بد أن تشبع في حينها حتى لا ينصرف
إلى الحرام والعياذ بالله.
(3) التعدد شريعة مستقلة
قال الحق تبارك وتعالى:{فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ
مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء:3] ونبينا عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم كان معددا للزوجات، وهذا الباب
على شدة الحاجة إليه اليوم إلا أن كثيرا من الناس يهرب منه ولو بالحديث خوفا من
المجتمع فأول من يعادي الرجل أهله وأقرباؤه قبل غيرهم، ولذا يفكر الشخص ألف مرة
قبل سلوك هذا الطريق وذلك لأنه يعلم أن أحد الأشياء التي يحتاجها قدرته على مواجهة
كم كبير ممن يعارضه، وفي المقابل فإن الأشخاص المحتاجين إلى التعدد من الرجال
والنساء تشكى أحوالهم إلى الله فأما الرجال فمنهم من لا تكفيه زوجة واحدة أو تقوم
بحقه، ومنهم من يرغب بكمال الاستمتاع بالزوجات حتى يغض بصره ويحصن فرجه، وأما
النساء فأرقام العوانس مليونية في جميع بلداننا، وعلى سبيل المثال فقط ففي الإحصاء
الذي أجرته الهيئة العامة للإحصاء في السعودية عام 1437 كان من نتائجه: أن عدد الإناث السعوديات اللاتي بلغن (15 سنة)
وأكثر واللاتي لم يسبق لهن الزواج في المملكة هي:
(2.261.946) أنثى سعودية، وهذه
النسبة لم يدخل فيها المطلقات والأرامل وغير السعوديات! وهذا فقط في السعودية فكيف
ببقية دول المسلمين؟! السؤال الجوهري هنا: كيف نحل مشكلة هؤلاء النسوة؟ وكيف نصرف
شهواتهن بالحلال؟ الجواب الذي يهرب منه الكثير: التعدد ولا غير التعدد.
ومما يغيب كثيرا أن التعدد جاء لحل جملة من المشاكل عند الرجال
والنساء وفهمه بهذه الطريقة يجعلنا ندرك عظمة شريعتنا.
ومن المفاهيم المغلوطة: "القول
بأن التعدد باب لا يدخله إلا
المضطر الذي مرضت زوجته أو انقطعت عن الإنجاب، والصحيح أنه باب من أبواب التمتع
بالمباح فالأصل أن ينكح الإنسان ما طاب له من النساء {فَانكِحُوا مَا
طَابَ لَكُم} وليس أن ينكح ما اضطر له من النساء، فالتعدد ليس باب ضرورة بل هو باب
تمتع بما أباح الله، كما قال تعالى {قُلْ مَنْ
حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ
الرِّزْقِ} [الأعراف:32] والنساء من
الزينة التي أخرج الله لعباده.
وقديما كانت كثرة النساء دليلا على القوة
والمكانة والمهابة، وإلى اليوم وحتى في العلاقات المحرمة يفتخر الشاب بكثرة
خليلاته بين أصحابه، بينما الفتاة لا تفعل ذلك وإن فعلته لا تفتخر به.
التجارب الفاسدة التي عاشها كثير ممن خاض هذه
التجربة لا يمكن الاستدلال بها على فساد الشريعة، فالشريعة كاملة، والعيب في
التطبيق، وكثير ممن دخل هذا الباب لم يكن لديه القدرة القيمية والتي هي أساس
النظام الأسري، فامرأة لا تؤمن بالقوامة لا تصلح للزواج وبالأحرى لا تصلح للتعدد،
ورجل لا يفهم القوامة لا يصلح للزواج وبالأحرى التعدد.
كثير من الناس ينظر للمفاسد المترتبة على
التعدد ولا ينظر للمفاسد المترتبة على غيابه في المجتمع، وأهمها ظلم المرأة
واضطرارها إلى مفهوم: اختطاف الرجال الذي يصبح ثقافة مجتمع والذي تكلمت عنه سابقا،
فبغياب التعدد تكثر العنوسة ويقل الزواج وتصبر المرأة على ظلم الرجل خوفا من
الطلاق، بخلاف مجتمع التعدد الذي تجد فيه المطلقة والأرملة فرصة ثانية، كما تجد
البكر فرصا أكثر.
ليس من حق الزوجة الأولى أن تحتكر زوجها، كما
ليس من حق ولدك البكر أن يمنعك من الإنجاب، فالزوجة زوجة بغض النظر عن رقمها في
سلم الزوجات، لها نفس الحقوق، ومجرد السبق الزماني لا يعطيها حق الاحتكار.
التعدد فيه مشاكل، لكنها لا تختلف كثيرا عن
مشاكل الرجل مع المرأة حتى لو كانت زوجة وحيدة، فلو كنا نتصور زواجا بدون مشاكل
لكنا نتصور تعددا دون مشاكل، وأما الغيرة فهي ظاهرة صحية لها الكثير من الآثار
الإيجابية على المرأة وشبابها وحيويتها". [عشر حقائق عن التعدد، أبو حامد الإدريسي]
(4) السبب الخفي
في الحياة الزوجية تقع المشاكل بين الزوجين طيلة حياتهما وهذا شيء
طبيعي مما قدره الله في الحياة، وهذه المشكلات منها ما يحل داخل الأسرة ومنها ما
يحل بطرف من خارج الأسرة ومنها ما ينتهي بالطلاق، لكن مما يخفى كثيرا أن جملة من المشكلات
والتي ينتهي بعضها بالطلاق سببها الرئيس عدم الإشباع في الفراش وليس ما يذكره
الطرفان من أسباب وما يدعيانه من مشكلات، فكما قررنا سابقا أن من مقاصد الزواج العظمى
حصول الإعفاف فإذا لم يتحقق وجد كل من الزوجين أن حياته ثقيلة والأعباء عليه شاقة
ولا يوجد ما يدعوه للصبر على الطرف الآخر وعلى مسيرة إنجاب الأولاد فتكثر المشكلات
بينهما حتى تنتهي بالفراق لكنهما يخجلان من أن يبوحا بأن السبب الرئيس هو المذكور
آنفا، وليس معنى كلامي هنا أن ندعوا الأزواج لإفشاء الأسرار الزوجية والحديث في
العورات وإنما المقصود أن نستحضر أهمية الإشباع الجسدي ودوره المؤثر في استمرار
العلاقة الزوجية، وذلك لأننا نجد من يهون من هذا الأمر ويعتبره أمرا هامشيا
والقيام بالحقوق المختلفة وتربية الأولاد هي الأساس ولو لم يتحقق الإعفاف وهذا خلل
عظيم، وتأمل يا رعاك الله لو أن الله لم يضع هذه الغريزة في نفوس البشر هل كانوا
يتزاوجون؟ وإذا تزوجوا هل يصبرون؟ ما الذي يدعو الرجل للصبر على جميع التكاليف والأعباء
التي يجدها من الزواج؟ وما الذي يجعل المرأة تصبر على كل ما تلاقيه من مشاق وآلام
في الزواج؟ جملة من الأسباب والتي من أهمها: لذة الغريزة والإشباع الجسدي يا سادة.
(5) ولأهلك عليك حقا
معلوم أن لكل من الزوجين حق على الآخر وبيان هذا الحقوق مهم جدا في
هذا الزمن الذي غاب عنا فيه كثير من الأساسيات الشرعية التي ينبغي أن تكون حاضرة،
ومن الحقوق التي نريدها في هذا المقام حق إعفاف المرأة، فـ"يجب أن تنال الزوجة من زوجها اللذة كما
ينال منها، فيلبي الزوج رغبة الزوجة الفطرية؛ من أجل أن يغض طرفها عن الحرام،
ويحصِّنها من الوقوع في الزنا، ويصونها ويحفظها من كل ما يخدش شرفها، ويثلم عرضها،
ويمتهن كرامتها؛ ولذا أرشد النبي - صلى الله عليه وسلم - عثمان بن مظعون إلى ما
لأهله عليه من الحق، لما انقطع عنهم إلى العبادة، فقال - عليه السلام -:(وإن لأهلك
عليك حقًّا).
ووطءُ المرأة واجبٌ في أظهر أقوال العلماء، وهذا
ما ذهب إليه أبو حنيفة وأحمد، واختاره شيخ الإسلام، ويكون حد الوجوب بما يشبع
حاجتها وكفايتها، وبقدرة الزوج بحيث لا ينهك بدنه، ويشتغل بذلك عن معيشته، ولا
عبرة مما قال به الفقهاء من أن الوطء الواجب هو مرة كل أربعة أشهر، بل حده قدرة
الزوج وكفاية المرأة". [حقوق
الزوجة على زوجها، محمد فقهاء]
ومن الخلل الموجود عند جملة من الرجال عدم قيامهم بهذا الحق وجهلهم
بالفروقات بينهم وبين النساء ومن ذلك ما يكون في الفراش فإذا دخل وقع عليها كما
تقع البهيمة دون إيجاد رسول من قبلة وكلام، فلا تُعف امرأته وتبقى في الغالب تتألم
دون علاج وقد تمتد عينها لما حرم الله وإذا لم يكن الخوف من الله موجودا وقعت في
الفاحشة والعياذ بالله.
وفي باب الفراش هناك أربع مراتب يتوزع عليها الرجال فمنهم من حقق
أعلاها ومنهم متوقف في أدناها: المرتبة الأولى: الجهل بحاجة الزوجة للإعفاف،
المرتبة الثانية: إدراك حق الزوجة في الإعفاف ومعرفة أهمية إشباعها، المرتبة
الثالثة: تحول القناعة إلى فعل من خلال الإشباع العملي للمرأة، المرتبة الرابعة:
الإحسان إلى المرأة في الإشباع، والمقصود بالإحسان ليس مجرد الإشباع بل الزيادة
عليه بإشباع المرأة في الوقت الذي تريد وبالطريقة التي تريد وفتح المجال لها
لإبداء رأيها في هذا الباب، وأكثر الرجال توفيقا من وصل إلى هذه المرحلة واحتسب
الأجر في ذلك، وقد يستغرب ويستنكر بعض الرجال كلامي الأخير لكن الفطرة التي في
النفوس يجب أن نعبر عنها فللمرأة شهوة كما للرجل شهوة، وللمرأة أوقات تثور غريزتها
فيه كما للرجل، وللمرأة أمور تحبها من زوجها وتتمناها كما يحب هو منها، وسكوتنا عن
هذا ظلم للمرأة، فبعض الرجال يأت امرأته في حالة لا تسر من عدم النظافة والزينة
والرائحة الطيبة فضلا عن غيرها من الأمور ويطلب من زوجته أن تكون في قمة تزينها
وتجملها له وهذا من الظلم البين، وعنِ ابنِ عبَّاسٍ ، قالَ: "إنِّي لأحبُّ
أن أتزيَّنَ للمرأةِ كما أحبُّ أن تتزيَّنَ ليَ المرأةُ ، لأنَّ اللَّهَ يقول :
وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ". [عمدة التفسير 1/277]
وقد يسأل البعض فيقول: أين أتعلم هذه الفنون الخاصة؟ والجواب: أننا
بحمد الله في هذا الزمن قد أنعم الله علينا بنعمة جليلة لم تكن عند من قبلنا ومن
ذلك أن هذا الموضوع وجد فيه كتب ودراسات ودورات تطرحه بطريقة صحيحة منضبطة، وفي
المقابل هناك مصادر منحرفة يستقي البعض معرفته منها كالمواد الإباحية ـ أكرمكم
الله ـ أو من بعض الكتب التي تثير الغرائز وتدعو للفواحش، فابحث عن سلامة المصدر
أولا وستجد مبتغاك، ومن الكتب المفيدة التي تطرح الموضوع بأدب كتاب "جرعات من
الحب" لكريم الشاذلي، لكني أنصح هنا من يقرأ كلامي هذا ولم يتزوج بعد أو كان
بعيدا عن زوجته ألا يطلع على هذا الكتاب لأن القراءة في هذا الموضوع يلهب الشهوة.
(6) بشر في
هيئة جماد
لا أدري لماذا نتعامل في كثير من الأحيان مع العمالة والخدم على أنهم
قطع من الجماد وننسى تماما أنهم بشر مثلنا لا يختلفون عنا إلا في شيء واحد وهو أن
الله سخرهم لنا وجعل رزقهم على أيدينا، وصور هذا المفهوم المغلوط كثيرة لكن شاهدها
هنا: تجاهل شهوة العامل ـ وللاختصار فأنا أقصد كل من قدم لبلادنا من غير أهل البلد
من العمالة وغير العمالة من الرجال والنساء ـ وهذا يتجلى في صور كثيرة منها: ركوب
المرأة متعطرة متزينة مع السائق، وإطالة الحديث مع الباعة والتغنج في الكلام معهم،
ومنع العمال من جلب زوجاتهم أو السفر الدوري إليهم، وحديث الرجل مع خادمته
وممازحتها والإهداء إليها وغير ذلك من الأمثلة التي تشعر بأن هؤلاء الناس ليس لهم
شهوات تغلي في أجسادهم، والتي يكون من آثارها وقوع الفواحش والتحرش بالأطفال
وغيرها من الجرائم التي لا يصحو كثير من الناس لها إلا إذا وقعت في بيته عافانا
الله وإياكم.
وأسوق هنا موقفا جميلا لأحد جيراننا حيث احتاج إلى سائق وخادمة فذهب
ليستقدمهما واشترط أن يكونا زوجين وبالفعل حصل له ما أراد وبعد مدة عادا إلى بلديهما
فاستقدم مرة أخرى واشترط نفس الشرط فلم يستطع المكتب أن يلبي له هذا الشرط وأتى له
بشخصين ليس بينهما صلة ففرقهما عن بعض في السكن ومضت الأيام حتى نطق السائق لكفيله
قائلا: "أنا محتاج للزواج وأريد أن تزوجني الخادمة إذا وافقت" فرحب
الرجل بهذه الفكرة كثيرا وعرض الأمر على الخادمة فرحبت ووافقت وزوجهما وجعل لهما
سكنا مستقلا وبعد فترة وإذ بنا نرى أول مولود لهما، ولما رأيته فرحت بذلك كثيرا
لحصول الإعفاف لهما ولفرحهما بهذا الولد.
تأمل يا صاحبي في هذا الموقف وكيف أن الرجل الحكيم أدرك حساسية وجود
رجل وامرأة غريبين في بيت واحد، وكيف سعى في إعفافهما بل قبل ذلك البحث عن زوجين
وتخيل لو أن هذا السائق وصل إلى الخادمة بطريق الحرام كيف سيكون الحال؟!
يقول أحمد بن عبدالكريم
الخضير في تغريدات له على تويتر: " زار معالي الشيخُ عبدالله التركي الوالدَ الشيخ
عبدالكريم الخضير مغرب اليوم، ودار بينهما حديث نفيس حول العلم والعلماء، خصوصاً
الحنابلة منهم، ومن القصص التي
أثارت اهتمامي ما رواه الشيخ عن العلامة ابن باز -رحمه الله- أن إدارة الجامعة الإسلامية
في زمن العباد كانت قد قررت تسفير أسر طلاب المـنح للظــروف المالية، فقال ابن باز:
كم تكلفتهم؟ قالوا: ٢مليون، فقال الشيخ: عندي، وأرسلها لهم خلال أيام، وقد ذكر معالي الدكتور التركي أن الشيخ عبدالمحسن
العباد -حفظه الله- قد بذل جهوداً لإبقائهم إلا أن الميزانية قصرت، ولذلك تكفل بها
العلامة ابن باز -رحمه الله- من خارج الميزانية، وكل منهما على ثغر من ثغور نفع
الأمة عامة، وطلاب العلم خاصة".
وهذا بحق موقف عجيب ونظرة بعيدة للشيخ ابن باز
رحمه الله لأنه يدرك أن هؤلاء الطلاب لهم غرائز ولنسائهم غرائز فقد تصرف غرائز
الرجال في الحرام هنا وغرائز النساء في الحرام هناك!
(7) شهوة النظر
من المسائل المتعلقة بموضوعنا مسألة مهمة تغيب عنا كثيرا وهي: العلم
بأن النظر والإتيان شهوتان وليست شهوة واحدة، ولذا قد يتزوج الرجل ويأتي زوجته لكن
نظره يبقى ممتدا في المحرمات ـ والحال كذلك مع المرأة ـ، ولا شك أن الزواج من أعظم
ما يعين على غض البصر لكنه يحتاج أيضا لعلاج مستقل لا سيما إذا كان المرء يعاني
منه، ومشكلة البصر مشكلة العصر لأنها تصل إلى من أراد ومن لم يرد، ونحن مبتلون بها
كما ابتلى الله الصحابة بقرب الصيد ولذا قرب الحرام لا يعني حله، وينبغي أن يعالج
المرء نفسه ويجاهدها في البعد عن هذه الشهوة، ومن العلاجات معرفة منافع غض البصر
والتيقن منها وأسوق إليكم طرفا من كلام ابن القيم في ذلك:
"أحدها:
أنه امتثال لأمر الله الذي هو غاية سعادة العبد في معاشه ومعاده، وليس للعبد في
دنياه وآخرته أنفع من امتثال أوامر ربه تبارك وتعالى، وما سَعِدَ من سَعِدَ في
الدنيا والآخرة إلا بامتثال أوامره، وما شَقِيَ من شَقِيَ في الدنيا والآخرة إلا
بتضييعِ أوامره.
الثاني: أنَّه يمنعُ من وُصولِ أثرِ السمّ المسموم
الذي لعلَّ فيه هلاكُه إلى قلبه.
الثالث: أنه يورثُ القلبَ أُنسًا بالله وجمعيَّة على
الله؛ فإنَّ إطلاقَ البصرِ يفرِّقُ القلب ويشتِّتُه ويبعدِه من الله.
الرابع: أنه يقوّي القلبَ ويفرِحُه كما أنَّ إطلاقَ
البصرِ يُضْعِفُه ويحزنُه.
الخامس: أنه يكسب القلب نورًا كما أنَّ إطلاقه يكسبه
ظلمة، ولهذا ذكر سبحانه آية النور عقيب الأمر بغضِّ البصر.
السادس: أنه يورِثُ الفِرَاسة الصادقةَ التي يميّز بها
بين المحقّ والمبطل، والصادق والكاذب، وكان شاه بن شجاع الكرماني يقول: "مَنْ
عَمَرَ ظاهرَه باتباع السنة، وباطنه بدوام المراقبة، وغضَّ بصرَه عن المحارم،
وكفَّ نفسَه عن الشهوات، واعتاد أكل الحلال: لم تخطئ له فراسة". وكان شجاعٌ
هذا لا تخطئ له فراسة، والله سبحانه يجزي العبد على عمله بما هو من جنس عمله، ومن
تركَ شيئًا عوضه الله خيرًا منه، فإذا غضَّ بصره عن محارم الله عوَّضه الله بأن
يطلق نور بصيرته؛ فعوَّضَه عن حبسه بصرَه لله، وفتح له باب العلم والإيمان
والمعرفة والفراسة الصادقة المصيبة التي إنما تنالُ ببصيرة القلب، وضدّ هذا ما وصف
الله به اللوطيَّة من العَمَهِ الذي هو ضدُّ البصيرةِ؛ فقال تعالى: {لَعَمْرُكَ
إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ}[الحجر:72]؛ فوصفهم بالسَّكْرَةِ التي هي فسادُ العقلِ،
والعَمَهِ الذي هو فَسَادُ البصرِ؛ فالتعلّق بالصوَرِ يوجب فسادَ العقلِ، وعَمَهُ
البصيرةِ يُسْكِرُ القلبَ".
(8) الشهوات العامة
كان الكلام في الفقرات السابقة عن الهموم المستورة في النفوس أو
البيوت أما في هذه الفقرة فالكلام متوجه للشهوات الظاهرة العامة لكل المجتمع فإن
الظاهر له اتصال بالباطن، ومظاهر الشهوات العامة كثيرة أبرزها: القنوات الفضائية
المحرمة، وانتشار صور النساء والمردان في الإعلام والدعاية، وقلة احتشام النساء
وعنايتهن بالحجاب، ووجود أماكن الدعارة والسماح بها في بعض بلدان المسلمين، أما
علاجها فله مستويات: المستوى الأول: مستوى الفرد.
والمستوى الثاني: مستوى المجتمع.
والمستوى الثالث: مستوى المسؤول.
فأما الفرد فعليه أن يجاهد نفسه ويغض بصره، ويأمر بالمعروف وينهى عن
المنكر بقدر استطاعته، ويربي أولاده أن انتشار الحرام لا يعني حله، ويدرك تماما
أننا في زمن فتن ونحتاج لصبر ومجاهدة فيه {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا
لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}[العنكبوت:69]، وأما الأفراد الذين يساهمون في نشر الشهوات فليتقوا الله وليتذكروا
أنهم يحملون آثام كل من فسد بسببهم أو وقع في الذنب بفعلهم، وعلى سبيل المثال لو أن
امرأة تزينت وتعطرت ثم خرجت إلى السوق ومرت بالرجال وحادثت بعضهم كم سيقع في النظر
المحرم رجل بسببها؟ وكم سيتأثر من شاب بتبرجها؟ وهذا كله في ميزان سيئاتها.
وأما مستوى المجتمع
فأجل الحلول مقاومة المنكرات والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو الأمر الذي ميز
الله به هذه الأمة {كُنتُمْ
خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ
عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ
لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ}.[آل عمران:110]
وأما مستوى المسؤول فليتذكر أن ذنوبه لا تكفيه فكيف يحمل ذنوب
الملايين؟!، وليتذكر قدر الأجر الذي سيكون له لو ساهم في إيقاف أسباب الشهوات
العامة وأعان الناس على حفظ أعراضهم.
(9) المنطقة الغائبة
وسعت الحديث كثيرا فيما سبق في باب العلاج وأجعل هذه الفقرة في
الوقاية وهي الشيء الذي ينبغي أن ينصب عليه اهتمامنا قبل العلاج، وفي هذا إشارات:
الإشارة الأولى: أهمية زرع العفاف وبثه، وقد بينت سورة النور
ذلك بيانا شافيا، أخرج أبو عبيد أن عمر ـرضي الله عنه ـ كتب للأمصار: "تعلموا
سورة براءة وعلموا نساءكم سورة النور"، وعن مجاهد قال: "علموا رجالكم
سورة المائدة وعلموا نساءكم سورة النور "، ومن الكتب المعينة على ذلك كتيب
صغير الحجم عظيم النفع وهو "أسوار العفاف" للشيخ عصام العويد.
الإشارة الثانية: الاستجابة للأوامر الشرعية التي جاءت لتنمية العفة في النفوس كعدم
الخلوة بالأجنبية، وتحريم التبرج، والتفريق بين الأبناء في المضاجع، والاستئذان عند الدخول، والحث على غض البصر.
الإشارة الثالثة: هناك ثلاث قضايا مترابطة الحديث عنها شبه غائب في أسرنا ومدارسنا
(الحب، البلوغ، الغريزة) فكل واحدة منها يحتاج أولادنا إلى معرفة كنهه وكيفية
التعامل معه، وقد رأيت من غالب طلابي إن لم يكن كلهم أنهم لا يعرفون أي شيء عن هذه
القضايا، ويكون هذا سبب في كثير من الآفات: كأدائهم للعبادة وهم جنب!، ووقوعهم
فريسة للتحرش، وفعلهم لبعض الذنوب والمعاصي، والسبب أنهم لا يجدون مصدرا نقيا
لتلقي المعلومات حول هذه الموضوعات فيكون اعتمادهم على المسلسلات والأفلام، وآراء
الأصدقاء، والتخرصات الشخصية والله المستعان.
ومن المواقف الجميلة في هذا المعنى: أن معلم النحو ونحن في الصف
الثالث المتوسط دخل علينا ذات يوم فقال لن أشرح لكم درسا فتعجبنا وقلنا: لماذا؟
قال: لأن هناك موضوع مهم سأحدثكم عنه، قلنا: وما هو؟ فكتب على السبورة:
"الحب" فضحك الطلاب، وقالوا: هل تسخر بنا؟ قال: بل أنا جاد واسمعوا
لحديثي هذا وانطلق في كلام طويل استوعب الحصة كاملة عن تعريف الحب وأهميته وأنواعه
وكيفية التعامل مع كل نوع منه، وأجاب عن جميع الأسئلة التي طرحها الطلاب حول ذلك،
فكان لتلك الحصة أثر على الطلاب وأثنوا عليه كثيرا في طرقه لهذا الموضوع الذي لامس
احتياجهم ولم يكونوا يتوقعوا يوما أن أحدا يحدثهم عنه! ومما ظهر في النقاش أن
مفهوم الحب الذي كان حاضرا في أذهان زملائي هو الحب المحرم فقط وقد استقوا ذلك من
مشاهدتهم للمسلسلات ثم إنهم لم يكونوا يعرفوا كيف يتعاملون معه فشفى معلم النحو
صدورهم.
ولا يصح أن يتجاهل المربون معلمين أو آباء هذه الموضوعات بحجة أنها
محرجة لهم، فعدم الجرأة هنا قد يكلف الطرفين ثمنا باهضا في قابل الأيام.
الإشارة الرابعة: التأكيد على أهمية اكتساب الثقافة الزوجية الصحيحة قبل الزواج وبعده،
والمتزوجون في ذلك طرفان ويقل فيهم الوسط، فالطرف الأول: المفرط الذي لا يرى أنه
بحاجة لتعلم أي شيء أصلا، والطرف الثاني: المقصر الذي يرى أن فقه الأسرة محصور في
الفراش فقط، والوسط الذي نبحث عنه من يتعلم بطريقة شمولية في الجوانب الآتية: 1ـ
الجانب الشرعي، 2ـ الجانب الخلقي، 3ـ الجانب الفكري، 4ـ الجانب التربوي، 5ـ الجانب
الصحي، 6ـ الجانب الجسدي، 7ـ الجانب المالي.
وأعتقد أن عملنا على بهذه الإشارات الأربع سيخفف عنا كما كبيرا من
المشكلات.
الإشارة الخامسة: ـ وهي مهمة جدا ـ فيما يتعلق بتربية النفوس على العفة، جرت عادتنا في
غرس العفة ابتداء أو معالجة من وقع في شيء المخالفات انتهاء التعامل السريع بوصايا
مختصرة وهذه تفيد لكن فائدتها قد لا تطول والذي أنصح به الغذاء الطويل والداء
الطويل، وفكرتهما واحدة لكن الغذاء وقائي والدواء علاجي، والطريقة هي تقديم جرعات
قليلة على زمن طويل يكون مضمونها مثلا من كتاب "الداء والدواء" لابن
القيم وهو نافع جدا في هذا الباب، فنحن بحاجة إلى شرح هذا الكتاب واختصاره وطرح
مادته مرارا وتكرارا وفيها غذاء ودواء للنفوس على العفة.
(10) الخجل المذموم
أدرك أن هناك من سيرد على مقالي هذا وربما قبل أن يستكمل قراءته حتى
قائلا: ما هذه الوقاحة وتجاوز حدود الأدب؟ وما هذه الجرأة المذمومة في طرق
الموضوعات الخاصة التي يستحيا من ذكرها؟ وأختصر الطريق فأجيب من الآن حتى لا أعني
نفسي لاحقا الرد على هذه الوجهة فأقول:
في كل شيء طرفان ووسط، والوسطية فضيلة بين رذيلتين والذي يحصل معنا أن
الطرفان موجودان لكن الوسط غائب، فالانحراف الكامل والوقوع في الفواحش والدعوة إلى
الشذوذ وبناء العلاقات خارج إطار الزواج موجود، والخجل الشديد الذي يمنع من أداء
الحقوق ويوقع أبناءنا وأسرنا وإخواننا في الحرام موجود، فكان لابد من وجود الخطاب
الوسط الذي يعالج الإشكالات بأدب وينبه على المشكلات بلطف، وأحمد الله فليس في
مقالي ما يخدش الحياء من توصيف العورات أو ذكر المعايب أو إثارة الغرائز وتهييج
الشهوات، كما أنه ينبغي أن نملك الشجاعة الكافية لمواجهة التيار الإباحي الذي
يتوسع اليوم، فالقوة تواجه بالقوة والجرأة تقابل بالقوة، واسأل نفسك: كيف يفخرون
بالباطل ولا نفخر بالحق؟ وكيف يدعون إلى الرذيلة ولا يخجلون وندعو إلى الفضيلة
ونخجل؟ وكيف نعالج مشاكلنا إذا صمتنا؟ وهل نأمن من انجراف الناس نحو الرذيلة إذا
لم يجدوا إشباعهم في الفضيلة؟ كل هذه أسباب كافية لإنزال الأمور منازلها والوقوف
في المنطقة الوسط.
سعدت بك أخي القارئ في هذه الرحلة التي تنقلنا فيها سويا بين جملة من
القضايا المتفرقة التي يجمعها خيط واحد، ولا أزعم أنني عالجت الجرح بل وضعت يدي
عليه وفي هذا كفاية إن شاء الله، وانتظر من يكمل المسيرة من إخواني وأحبتي
الحريصون على بث الفضيلة ونشر العفاف بين المسلمين، كما أدعو إخواني لنشر هذه
الأفكار المذكورة وما يدور في فلكها في المجالس برفق وسياسة.
تم بفضل الله في الثامنة إلا ربع من صباح
يوم الخميس 1441/11/18هــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق