الثلاثاء، 3 يونيو 2025

لفتة (27) كيف أثبت على العبادة من رمضان إلى رمضان؟

 

[27]

كيف أثبت على العبادة من رمضان إلى رمضان؟

السبت 14/10/1446هـــ

ما إن ينتهي شهر رمضان المبارك إلا وتسمع عبارات التحسر والفراق، ومنها قول بعضهم: "ليت أن العام كله رمضان"، وهذه الكلمات تعبر عن محبة رمضان، وتعبر عن شيء آخر، وهو رغبة المسلم في العبادات الجماعية، لأن الدوافع فيها خارجية، ففي رمضان تُفتّح أبواب الجنة، وتُغلّق أبواب النار، وتُصفّد الشياطين، ويقبل الناس على المساجد، ويطيلون القيام، ويكثرون القراءة والصدقة، وهذا يدفع المؤمن لعمل الصالحات لما يرى من اجتهاد المسلمين، لكن ينبغي أن يكون مستعدا للعبادة الفردية، والتي تكون الدوافع فيها من داخله، يزرعها ثم يسقيها حتى تثمر، ونحن نحب جميعا رمضان ومواسم الخير، لكن لا بد أن نفقه أن مجيئها مرة في العام له حكمة عظيمة، فلو كان رمضان مرتين لما رأيت هذا الاجتهاد فكيف لو كان العام كله رمضان، وتأمل في الصلوات الخمس وما لها من الفضل العظيم، وما فيها من التقصير الكبير!

السؤال الأكبر هنا: كيف أثبت على العبادة من رمضان إلى رمضان؟ وهو سؤال عظيم يدل على همة صاحبه، وجوابه في أربعة أمور، من أتقنها ثبت بتثبيت الله، ومن قصّر فيها انقطع، وهي:

الأمر الأول: الاستعانة بالله تعالى، قال سبحانه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، قال ابن سعدي: " ذكر {الاستعانة} بعد {العبادة} مع دخولها فيها لاحتياج العبد في جميع عباداته إلى الاستعانة بالله تعالى، فإنه إن لم يعنه الله لم يحصل له ما يريده من فعل الأوامر واجتناب النواهي".

الأمر الثاني: مجاهدة النفس، قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}، فالتحدي الحقيقي للمؤمن يبدأ من ليلة العيد ويستمر حتى رمضان التالي، فكيف هو حال العبد فيها؟ وهل سيجاهد نفسه على التعبد بمفرده؟ أم سيتكاسل ويعود إلى المربع الأول؟! وهذه الصعوبة التي يجدها هي مربط الفرس.

الأمر الثالث: وجود البرنامج الإيماني، وهو قسمان: ورد علمي، وورد عملي:

·       فالورد العلمي: أن تحصل المعلومات الإيمانية التي تدفعك للعبادة، عن طريق درس تحضره في المسجد إن وجد، أو درس تتابعه في اليوتيوب، أو كتاب تقرأ فيه، فأنت بحاجة إلى من يفتح لك طريق التعبد، ويبصرك بمعالمه وخطواته.

·       والورد العملي: أن يكون لك برنامج إيماني يومي، يحقق العناية بفعل الأوامر وترك النواهي.

وهناك جملة من الوصايا حول تطبيق البرنامج:

·       أهمية العناية البالغة بالورد العلمي، لأنه من أعظم المثبتات على الورد العملي، فكلما كانت معاني الإيمان والدار الآخرة حاضرة في نفسك حفزتك على الطاعة، وكلما غابت عنك دب إليك الفتور والكسل.

·       لا تنتفع بالدرس الإيماني عبر اليوتيوب إذا كنت تسمعه في السيارة، أو أثناء عملك، بل لا بد أن تجلس له جلسة خاصة ليحضر قلبك ويتشرب معانيه، وتدون ما فيه من الفوائد.

·       شرط هذه المعلومات الإيمانية أن تكون منهجية لا وعظية فقط، ومن المشايخ الذين يعتنون بالدروس الإيمانية: عبدالرزاق البدر، عقيل الشمري، محمد حسين يعقوب، محمد نصيف.

·       فكر في الأرباح التي خرجت بها من رمضان، والمقصود العبادات التي اكتسبتها، والمعاصي التي تركتها، فهذا الجهد الذي بذلته في رمضان ينبغي ألا تضيّعه بعده، بل تثبت على تلك العبادات التي حصلتها وتزيد غيرها.

·       لا تظن أن الانقطاع اليسير بعد رمضان يذهب أرباحه، فإنه يقع لنا جميعا اضطراب الجدول والنوم، فإذا ذهب أسبوع أو أسبوعان فلا تزال الأرباح معك وتستطيع الثبات عليها.

·       احرص على الفرائض قبل النوافل، لأنها أجل وأهم.

·       ابدأ بعبادات يسيرة، ولو كانت واحدة، وإذا ألفت نفسك فزد عليها، أما الإكثار فإنه مدعاة للهروب والترك.

·       حدد مقدار يسيرا للعبادة، فالتدرج يكون في عدد العبادات، وفي مقدار العبادة الواحدة.

·       خذ نفسك بالحزم، قال الشاعر:

والنفسُ كالطفلِ إن تهملهُ شَبَّ على * حُبِّ الرَّضاعِ وإنْ تَفْطِمْهُ يَنْفَطِم

الأمر الرابع: محاسبة النفس، قال ربنا: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ}، فبعد الاستعانة والمجاهدة ووجود البرنامج تحاسب نفسك محاسبة يومية وأسبوعية وشهرية، ووجود المحاسبة دليل العمل والإتقان، وغيابها دليل التفريط.

سؤال اللفتة: هل حفظت الأمور الأربعة التي ستبدأ العمل بها الآن؟

اللهم افتح لنا باب التعبد فهما وعملا وثبتنا عليه حتى نلقاك..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لفتة (29) كيف أتقن فقه الحج؟

  [29] كيف أتقن فقه الحج؟ الأربعاء 25/3/1447هـــ المقبل على العلم الموفق فيه هو الذي يولي قضية ضبط العلم عناية خاصة، وذلك لأنها طريق...