الثلاثاء، 3 يونيو 2025

لفتة (28) معركة الجدية

[28]

معركة الجدية

الاثنين 16/10/1446هـــ

من أراد سلوك الجدية فلا بد أن يكون مستعدا للدخول في معركة لها ساحتان: الأولى داخل النفس، والثانية خارجها، فيجاهد نفسه على الثبات على الجد، والصبر على العوائق، ويجاهد الآخرين الذين يعترضون طريقه ويقاومهم، وحول هذه المعركة نورد ثلاثة أسئلة ونجيب عليها:

          السؤال الأول: ما الذي فرّق الجادين عن غيرهم؟

          السؤال الثاني: ما الوصية للجاد؟

          السؤال الثالث: ما الوصية لغير الجاد؟

السؤال الأول: ما الذي فرّق الجادين عن غيرهم؟

هذا سؤال يدور في عقل الجاد وفي عقل غيره، فما الذي يجعل الجاد يبذل كل هذه الجهود؟، وفي أحيان عديدة يكون دون مقابل مادي أو معنوي من البشر؟!، والجواب: المعاني هي من فرّقت بينهما، فالمعاني التي يحملها الجاد هي التي تدفعه لما يقوم به، وغياب هذه المعاني الرفيعة هي التي أورثت غير الجاد الكسل والإهمال، فأعلى المعاني ما كان مرتبطا بالله والدار الآخرة، بأن ينطلق المرء في عمله مستحضرا أداء الأمانة، والقيام بحقوق المسلمين، والحذر من عقاب الله، وطلب ثوابه، ثم تأتي بعدها المعاني الدنيوية، كأهمية الجد في العمل، وألا يفتح المرء للناس بابا لذمه وغير ذلك.

وتجد جملة من المؤسسات عند تطوير موظفيها تركّز على التصرفات، فتكثر من الاجتماعات، وتكرر التوجيهات، وتعدد التحذيرات، بينما المشكلة في التصورات، فإذا أصلحت تصورات الموظف وأشبعته بالمعاني الرفيعة انطلق يعمل بجد وإتقان، ورأيتك منه أكثر مما تمنيت، وهكذا في تربية الأولاد فمن اشتغل بالتصورات وفق، ومن اشتغل بالتصرفات فقط تعب كثيرا ولم يصل إلى مراده.

السؤال الثاني: ما الوصية للجاد؟

أولا: استعن بالله سبحانه، فهو الذي يعينك، وهو الذي يفتح لك، وهو الذي يبصرك بالطريق، وهو الذي يثبتك عليه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (احْرِصْ علَى ما يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ باللَّهِ وَلَا تَعْجِزْ)، إذا أخذ الإنسان بالأسباب ولم يحصل له عون وتوفيق من الله تعالى لم يحصل مراده، فمجرد الأخذ بالأسباب لا يكفي، بل يحتاج إلى شيء وراءه، وهو توفيق الله وإعانته على حصول ذلك الشيء؛ فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله.

ثانيا: طول الصبر، فطريق الجدية صعب، والسالكون له قليل، وما لم يكن المرء صبورا، لم يصل إلى مراده، فبالصبر تنال كل مراداتك، ويُنال الصبر بدعاء الله ورجائه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وما أُعْطِيَ أحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ)، ويعينك على الصبر أن يكون لله، قال سبحانه: {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ}.

ثالثا: الجرأة، فهي صفة أساسية لا يستغني عنها الجاد، وذلك لأنه سيقابل كثيرا ممن يستهزئون به، وينتقدونه، وجملة منهم أصحاب ألسنة طويلة، فإما أن يكون جريئا في الرد عليهم، وإما أن ينكسر ويضعف، ولا ينبغي للجاد إلا أن يكون قويا شجاعا ذا كلمة رفيعة، لا أن تغلبه النكات والكلمات الجارحة، بل يغلبهم بالجد أحيانا، وبالطرفة أحيانا أخرى.

والذي تقابلهم أصناف، منهم من تتجاهله، ومنهم من يحتاج إلى كلمتين أو ثلاثا، ومنهم من يحوجك إلى إلقامه حجرا كل يوم أو كل أسبوع! فجهّز أحجارك!

السؤال الثالث: ما الوصية لغير الجاد؟

أولا: إذا لم ينعم الله عليك بالجدية، فاسأله أن يرزقك إياها، فإنها من أعظم خيرات الدنيا الموصلة إلى خيرات الآخرة.

ثانيا: إذا لم يكن لك رغبة فيها فلا تشغل نفسك باعتراض الجادين وأذيتهم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المُسْلِمُ مَن سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن لِسانِهِ ويَدِهِ)، وقال أيضا: (مَن ضارَّ أضرَّ اللهُ بهِ ومَن شاقَّ شاقَّ اللهُ علَيهِ)، فهذان الحديثان يكفيانك في عدم اعتراض الجاد وأذيته، فالإسلام الكامل يقتضي ألا تؤذي أخيك، وإن نويت أذيته بلسانك أو غيره فتذكر أن الله يضرك كما أضررته.

ثالثا: تذكر أن الأهداف الكبرى والغايات النبيلة تحتاج إلى جد وعمل لتنفيذها، ولا يمكن تحقيقها بكسل وعمل يسير، فالخطيب الذي يهدف لرفع الجهل عن جماعته، وله أهداف يريد تحقيقها في تعليمهم وإرشادهم لا بد أن تكون خطبته طويلة، ولا يصح لساذج أن يقول يمكن له أن يحقق كل ما يريد بخطبة الخمس دقائق! والمدرس الذي يريد تعليم طلابه والنهوض بهم لا بد أن يكون حازما باذلا ويكلفهم ما يتعبهم، ولا يصح لساذج أن يقول: يمكنه أن يعلمهم كل ما أراد بتساهل وعمل يسير!

سؤال اللفتة: هل أنت مستعد لخوض معركة الجدية والانتصار فيها؟

اللهم اهدنا وسددنا وأعنا على أنفسنا..


لفتة (27) كيف أثبت على العبادة من رمضان إلى رمضان؟

 

[27]

كيف أثبت على العبادة من رمضان إلى رمضان؟

السبت 14/10/1446هـــ

ما إن ينتهي شهر رمضان المبارك إلا وتسمع عبارات التحسر والفراق، ومنها قول بعضهم: "ليت أن العام كله رمضان"، وهذه الكلمات تعبر عن محبة رمضان، وتعبر عن شيء آخر، وهو رغبة المسلم في العبادات الجماعية، لأن الدوافع فيها خارجية، ففي رمضان تُفتّح أبواب الجنة، وتُغلّق أبواب النار، وتُصفّد الشياطين، ويقبل الناس على المساجد، ويطيلون القيام، ويكثرون القراءة والصدقة، وهذا يدفع المؤمن لعمل الصالحات لما يرى من اجتهاد المسلمين، لكن ينبغي أن يكون مستعدا للعبادة الفردية، والتي تكون الدوافع فيها من داخله، يزرعها ثم يسقيها حتى تثمر، ونحن نحب جميعا رمضان ومواسم الخير، لكن لا بد أن نفقه أن مجيئها مرة في العام له حكمة عظيمة، فلو كان رمضان مرتين لما رأيت هذا الاجتهاد فكيف لو كان العام كله رمضان، وتأمل في الصلوات الخمس وما لها من الفضل العظيم، وما فيها من التقصير الكبير!

السؤال الأكبر هنا: كيف أثبت على العبادة من رمضان إلى رمضان؟ وهو سؤال عظيم يدل على همة صاحبه، وجوابه في أربعة أمور، من أتقنها ثبت بتثبيت الله، ومن قصّر فيها انقطع، وهي:

الأمر الأول: الاستعانة بالله تعالى، قال سبحانه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، قال ابن سعدي: " ذكر {الاستعانة} بعد {العبادة} مع دخولها فيها لاحتياج العبد في جميع عباداته إلى الاستعانة بالله تعالى، فإنه إن لم يعنه الله لم يحصل له ما يريده من فعل الأوامر واجتناب النواهي".

الأمر الثاني: مجاهدة النفس، قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}، فالتحدي الحقيقي للمؤمن يبدأ من ليلة العيد ويستمر حتى رمضان التالي، فكيف هو حال العبد فيها؟ وهل سيجاهد نفسه على التعبد بمفرده؟ أم سيتكاسل ويعود إلى المربع الأول؟! وهذه الصعوبة التي يجدها هي مربط الفرس.

الأمر الثالث: وجود البرنامج الإيماني، وهو قسمان: ورد علمي، وورد عملي:

·       فالورد العلمي: أن تحصل المعلومات الإيمانية التي تدفعك للعبادة، عن طريق درس تحضره في المسجد إن وجد، أو درس تتابعه في اليوتيوب، أو كتاب تقرأ فيه، فأنت بحاجة إلى من يفتح لك طريق التعبد، ويبصرك بمعالمه وخطواته.

·       والورد العملي: أن يكون لك برنامج إيماني يومي، يحقق العناية بفعل الأوامر وترك النواهي.

وهناك جملة من الوصايا حول تطبيق البرنامج:

·       أهمية العناية البالغة بالورد العلمي، لأنه من أعظم المثبتات على الورد العملي، فكلما كانت معاني الإيمان والدار الآخرة حاضرة في نفسك حفزتك على الطاعة، وكلما غابت عنك دب إليك الفتور والكسل.

·       لا تنتفع بالدرس الإيماني عبر اليوتيوب إذا كنت تسمعه في السيارة، أو أثناء عملك، بل لا بد أن تجلس له جلسة خاصة ليحضر قلبك ويتشرب معانيه، وتدون ما فيه من الفوائد.

·       شرط هذه المعلومات الإيمانية أن تكون منهجية لا وعظية فقط، ومن المشايخ الذين يعتنون بالدروس الإيمانية: عبدالرزاق البدر، عقيل الشمري، محمد حسين يعقوب، محمد نصيف.

·       فكر في الأرباح التي خرجت بها من رمضان، والمقصود العبادات التي اكتسبتها، والمعاصي التي تركتها، فهذا الجهد الذي بذلته في رمضان ينبغي ألا تضيّعه بعده، بل تثبت على تلك العبادات التي حصلتها وتزيد غيرها.

·       لا تظن أن الانقطاع اليسير بعد رمضان يذهب أرباحه، فإنه يقع لنا جميعا اضطراب الجدول والنوم، فإذا ذهب أسبوع أو أسبوعان فلا تزال الأرباح معك وتستطيع الثبات عليها.

·       احرص على الفرائض قبل النوافل، لأنها أجل وأهم.

·       ابدأ بعبادات يسيرة، ولو كانت واحدة، وإذا ألفت نفسك فزد عليها، أما الإكثار فإنه مدعاة للهروب والترك.

·       حدد مقدار يسيرا للعبادة، فالتدرج يكون في عدد العبادات، وفي مقدار العبادة الواحدة.

·       خذ نفسك بالحزم، قال الشاعر:

والنفسُ كالطفلِ إن تهملهُ شَبَّ على * حُبِّ الرَّضاعِ وإنْ تَفْطِمْهُ يَنْفَطِم

الأمر الرابع: محاسبة النفس، قال ربنا: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ}، فبعد الاستعانة والمجاهدة ووجود البرنامج تحاسب نفسك محاسبة يومية وأسبوعية وشهرية، ووجود المحاسبة دليل العمل والإتقان، وغيابها دليل التفريط.

سؤال اللفتة: هل حفظت الأمور الأربعة التي ستبدأ العمل بها الآن؟

اللهم افتح لنا باب التعبد فهما وعملا وثبتنا عليه حتى نلقاك..


لفتة (29) كيف أتقن فقه الحج؟

  [29] كيف أتقن فقه الحج؟ الأربعاء 25/3/1447هـــ المقبل على العلم الموفق فيه هو الذي يولي قضية ضبط العلم عناية خاصة، وذلك لأنها طريق...