الأحد، 29 ديسمبر 2024

سلسلة الأوراق الدعوية (3) رسالة إلى من طلب العلم على كِبَر

 


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على أشرف رسل الله، أما بعد:

فإن من المشاهد المفرحة مشهد إقبال كبار السن -وفقنا الله وإياهم- على طلب العلم، وهو في نفس الوقت بحاجة إلى توجيه وإرشاد، حتى يعظم انتفاعهم بهذا الإقبال، ولذا كتبت هذه الورقة، والله أسأل أن ينفعني بها ومن يقرأ.

رابط الورقة

https://drive.google.com/file/d/1jFDcJ_IC4U14E4s8ojnT4ieR5si57EpN/view?usp=sharing


والله يحفظكم

رؤى (5) تفرد الشيخ الوليد

 

[5]

تفرد الشيخ الوليد

 

رؤية المتقن يذيقك طعم الحياة وسرها، وفي باب العلم تجد كثرة المتصدرين للتعليم والإفتاء قبل التأهل، فترى صورا كبيرة من الضعف والقصور تضيع وقتك، وتبدد جهدك، وتحرمك من العلم النافع والعمل الصالح، وأشهد أن من أعلم من رأت عيني الشيخ وليد بن راشد السعيدان -حفظه الله تعالى-، فقد جمع الله له بين غزارة العلم، وقوة الحفظ، وصناعة القواعد واستحضارها، وبراعة التدريس، وجمال الأخلاق، وخفة النفس، ولذا فالدراسة على أمثاله تختصر عليك العمر، وتوصلك إلى المراد بأقصر طريق.

منهجه في التعليم

أخبرني الشيخ أن "الروض المربع" هو كتابه المعتمد في الفقه، وأنه يختمه كل شهرين مرة، وكان يعد لنفسه الختمات فلما بلغ الخمسين لم يعد بعدها، وذكر أن كل أسئلة الناس لا تخرج عنه، فمن ضبطه استطاع على الإفتاء بسهولة، بل فيه مسائل كثيرة لا يسأل الناس عنها، فقلت له: لم لا تشرحه؟ فقال: "لا أحب أن أشرح المتون، وإنما أشرح على طريقتي، فأنا اقرأ الروض وأضبطه وأراجع الكتب الأخرى ثم استخرج القواعد والأصول وأدرسها لطلابي"، فالشيخ حفظه الله يحب هذه الطريقة، وهي: قراءة كتب العلماء وضبطها، ثم استخراج ما فيها على طريقة القواعد، ثم تدريسها.

براعته في التدريس

سألته عن مسألة وهو يتوضأ فأجابني باختصار، ولما صلينا وجلس على الكرسي سألته عن المسألة نفسها، فقال: "قد شرحتها لك"، قلت: لم أفهمها، فقال: "حق علي أن أفهمك"، ثم شرحها شرحا مطولا بالأمثلة حتى فهمتها، فمن مزايا شيخنا ما فتح الله له من القدرة العجيبة على إيضاح المسائل وبيانها وإدخالها إلى رأس الطالب، وقد سألته: كيف الطريق إلى براعة التدريس؟ فقال: "بدعاء الله سبحانه، فهو الذي يعطيك الطريقة، ويوفقك للإلقاء، ويوفق الطلاب للفهم".

هذا أحد الأسرار، وأما الآخر فهو ممارسته للتدريس في المعاهد العلمية عشرين عاما، وقد عُلم بالتجربة أن معلمي التعليم العام أمهر في التدريس من أساتذة التعليم العالي، وأذكر أن خالي قابلني أول يوم لي في كلية الشريعة، فقال: بشرني عن يومك الأول؟ فقلت: "درست اليوم على خمسة أساتذة"، فقال: "من الذي جذبك منهم؟"، فقلت: فلان، لبراعة تدريسه وتنوع طرقه، بخلاف البقية الذين كانوا يشرحون على الكرسي، بنبرة واحدة طيلة ساعة كاملة، مع عدم تفاعل مع الطلاب، فقال: "هذا الأستاذ الذي جذبك كان مدرسا في المرحلة الثانوية بخلاف الباقين!".

يذكر أهل التنمية أن الجمع من طرق الإبداع، وقد جمع شيخنا السعيدان بين طرق التدريس في المدارس وفي المساجد، فكان سرا ثالثا لتميز شرحه، فطريقة التدريس في المدارس تسري فيها الحياة، لكن مستوى المادة العلمية يكون ضعيفا نظرا لصغر الطلبة، بينما التدريس في المساجد يكون مستواه عاليا لعلو الطلاب، وطريقة التدريس جامدة في أحيان كثيرة، وعندما حقق شيخنا الجمع بين الطريقتين أصبحت دروسه مشوقة ممتعة، ولا يمكن للطالب أن ينام فيها ولو كان الدرس خمس ساعات أو ست! بينما ينام في مجالس غيره ولو كانت ساعة أو ساعتين.

حرصه على نفع الطلاب

يحرص الشيخ وليد -رعاه الله- على نفع طلابه، ومن صور ذلك: أنه إذا ذكر قاعدة كررها خمسا أو سبعا حتى يستطيع الطالب أن يكتبها، ولا يمل من التكرار أو يتذمر، كما أنه يعرف الطالب من تعبيرات وجهه إذا لم يفهم، أو كان مترددا أو غير ذلك، كما أن صدره واسع للنقاش، ولذا لا نجد حرجا في سؤاله، وتكرار السؤال عليه، ومناقشته في الجواب، بينما تجد مشايخ آخرين السؤال عندهم محظور، ولو فتح الشيخ المجال للأسئلة -لا قدر الله- فالأسئلة محدودة والنقاش فيها من الكبائر، ومن المواقف مع شيخنا أن أحد طلاب العلم سأله عن مسألة فأجابه، ثم ظل الطالب يناقش في الجواب فناقشه الشيخ وبيّن له، ثم قال: "صدري واسع للنقاش في المسائل التي أتيت فيها بقول جديد عما تعهدون، فإني أعرف أن مخالفة السائد وتغيير الأقوال القديمة ليس شيئا سهلا".

تربية طلابه على تدوين العلم

مما يربي عليه الشيخ طلابه: تدوين العلم، وقد بدأ مرة يشرح في مسألة وهو واقف، ثم جلس، فقال أحد الطلاب: كرما أعد القاعدة حتى أكتبها، فقال -وفقه الله-: "لقد بدأت في شرح المسألة وكررت قاعدتها ثلاثا، فلم أر من كتبها فقررت الجلوس احتراما لمعلومتي، لمَ أخبرك بمعلومة لست حريصا عليها؟ وقد عودت طلابي على الكتابة فإن لم يفعلوا أخذت كتابي ورجعت إلى أهلي، فما الفائدة أن أتعب في تحصيل المعلومة وعندما أريد أن أخبرك بها لا أجد اهتمامك"، فأخذ الطلاب دفاترهم للكتابة فقام الشيخ من على كرسيه -رحمه الله كما رحمنا- وكرر القاعدة وشرح المسألة كاملة، وفي آخر أحد الدروس تتابعت عليه أسئلة الطلاب، فكان يجيب والطلاب يكتبون، حتى جاء إلى سؤال رأى فيه أيدينا توقفت عن الكتابة فسكت، ففهمنا أنه ينبه على الكتابة فلما أخذنا أقلامنا انطلق في الجواب.

أسرار نبوغه

لمعرفة أسرار الشخصيات طريقان: مباشر، وغير مباشر، فأما المباشر فهو بسؤال الشخص عن أسرار نبوغه، لكن نفع هذا الطريق في الغالب ليس كبيرا -خاصة مع أهل العلم- لأنهم يُحرجون من الحديث عن أنفسهم من جهة، ولأنهم ملوا من كثرة ما سمعوا هذا السؤال وأجابوا عنه من جهة ثانية، ولأنهم قد نسوا كثيرا من تفاصيل تجاربهم وسيرهم ثالثا، وقد سئُل الشيخ وليد أمامي ثلاث مرات: كيف أكون عالما؟ فأجاب في المرات الثلاث بقوله: "بالدعاء والانطراح بين يدي الله"، لكنه في أحد الثلاث تكلما كلاما طويلا حول أثر الدعاء في صناعة طالب العلم، فالعلم رزق واختيار، وما لم يخترك الله للعلم فلن تكون، والبراعة في العلم 99% منها يحصل بالدعاء، و1% بمنهجية العلم، وكثير من الطلاب يهتم بالواحد ويترك التسعة والتسعين، ومن اختاره الله في السماء يسر له الشيخ والمنهجية والكتاب، ولشيخنا محاضرة بعنوان: "عثرات في طريق طالب العلم" ذكر أنه لم يجمع مادتها من الكتب وإنما استخرجها من أخطائه ومسيرته، وأراد أن ينفع بها طلابه.

أما الطريق غير المباشر فأعملت فيه عقلي وظللت أفكر في كيفية وصول الشيخ لهذا المستوى العلمي العجيب، فوجدت أنه (اعتنى بجمع العلم وتحريره وحفظه من وقت مبكر)، وهذا سر عجيب كان موجودا كفكرة في ذهني، لكني وجدته واقعا عمليا في شيخنا، وتفهم هذا السر بفهم عكسه، فكثير من طلاب العلم إذا دخلوا إلى العلم اعتنوا بدراسة العلم لا بجمعه، وبالاطلاع على مادته لا تحريرها، وبالقراءة لا الحفظ، سلوكا للطريق الأسهل، ولذا لا يصلون إلى مرادهم، والفرق بين الدراسة والجمع: أن الدراسة مرور على مسائل العلم، وحضور لدروسه، بينما الجمع انتقاء أجود ما مر عليك وتدوينه في كناشات خاصة، ثم يأتي الفرق الثاني وهو أن كثيرا من طلاب العلم يطّلع على المسائل ويعرفها، بينما القليل من يحرر الكلام فيها ويكون عنده خلاصة مركزة، ثم بعد الجمع والتحرير، يأتي حفظ العلم واستحضاره، وهذا الأمر متعب لكن ثماره عظيمة.

ومما يؤكد صدق تحليلي أني قلت للشيخ: لاحظت أنك حررت علمك في كتبك الأخيرة، فقال: "ليس بصحيح فكثير من كتبي محررة عندي من عشرات السنين!" ويُفهم من هذا أن التحرير العلمي قد حصل للشيخ مبكرا، أما التحرير الكتابي فالشيخ يعمل عليه السنوات الأخيرة لتفرغه لذلك، وسألته أيضا: كيف تراجع محفوظاتك؟ فقال: "محفوظاتي هي من الوحيين فحسب، ولا أحفظ المتون، لكني أحفظ القواعد والمسائل، ومع كثرة تكرارها في الدروس والإفتاء تبقى حاضرة في ذهني، وقد عودت نفسي في الإفتاء أن أجيب بذكر قاعدة المسألة ودليلها، وأنصحك بذلك إذا أفتيت الناس، لا تجب مباشرة، اذكر القاعدة ودليلها، ثم استخرج جواب السؤال منها، تراجع العلم من جهة، وتنفع السائل بالقاعدة من جهة أخرى"، وشيخنا يحفظ المنظومات التي نظمها، فقد ألف في العقيدة مثلا أرجوزة وألفية، فالأرجوزة في مائة بيت، والألفية في ألف بيت، وضمنها ما عنده من القواعد والأدلة والمسائل والفروع، فتكون النتيجة أن شيخنا كغيره في بناء علمه على المتون، لكنه اختار أن يبني المتون وشروحها بنفسه، ولا أدري عن سيرته أول حياته، لكن يغلب على ظني بأنه حفظ المتون المعتمدة في بلدنا غيره، ثم وصل إلى ما صل إليه مع الأيام، وقد قالوا: "أول شروط التجديد أن تقتل الماضي بحثا!".

وقد خسر كثير من طلاب العلم في هذه الثلاث (جمع العلم وتحريره وحفظه) خسارة كبيرة، فتجده يقول: "درست كتاب كذا وكذا لكن لا أذكر منها شيئا" لأنه لم يجمع العلم، ويقول: "في المسألة الفلانية كذا وكذا من الأقوال ولا أدري ما الراجح فيها" لأنه لم يحرر العلم، ويقول: "قد اطلعت على هذه المسألة وقرأتها في كتاب كذا، أو كتبت فيها خلاصة لا أتذكرها" لأنه لم يحفظ العلم، فهل فهمت السر يا صاحبي؟

لهذا السر العجيب بعد توفيق الله وإعانته أصبح كلام شيخنا متينا مركزا محررا، وتخرج من الدرس الواحد بعشرات القواعد والمسائل، والدقيقة الواحدة إذا فاتت عليك فات عليك علم كثير! والطلاب يسمعون وينتبهون حتى تكل أذهانهم، من كثرة الانتباه والتدوين والفهم! فاللهم إنا نسألك من فضلك.

جمعه بين العلم والخلق

ثم لك أن تتعجب إذا وجدت مع هذه الغزارة والتمكن رقة في أخلاق الشيخ وخفة في نفسه، فهو صاحب طرفة ومزاح أثناء الدرس، وعلل ذلك بأنه يتعمد طرد السآمة والملل عن السامعين، نظرا لثقل المسائل، وصعوبتها، وطول الدرس، ولذا يروّح بمثل هذه الممازحات، ثم يختم الدرس بالاعتذار إن كان قد جرح أحدا أو أحرجه.

من تواضع شيخنا واحتقاره لنفسه أنه لا يحب الحديث عن كتبه إلا إذا اضطر لذلك ولا يطيل، وقد قال: "لا أحب سماع صوتي ولا قراءة كتبي، وليس عندي والله في بيتي شيء من كتبي إلا ما كان في جهاز الحاسب للتأليف، واسأل الله أن تُحذف حتى أرتاح منها!!، ومن مللي لكتبي أنني إذا ألفت كتابا لا أراجعه بل أجعل مراجعته لغيري"، ومن تواضعه أيضا: أنه دائما ما يكرر "أنا خادمكم الصغير فاطلبوا ما شئتم"، "ألف أخوكم الصغير هذه المنظومة لطلابه"، "ولأخيكم الصغير رسالة في الموضوع".

نموذج التكامل

عندما تتأمل في نموذج شيخنا تجد الشخصية المتكاملة التي نتمناها ونطلبها في الساحة العلمية، وكم يؤلمنا كثيرا ظهور من لم يتعب على نفسه، فيحسن أشياء ويفسد أخرى، وهذا يضعف حركة العلم، ويؤخر نضج الأمة وعلوها.

التحصيل الجاد

في دورة شرح "الأرجوزة العقدية" منع الشيخ تسجيلها وألزمنا بالكتابة، وهذه من الطرق النافعة في الإلزام بالتحصيل، فإن إهمال الكتابة من الآفات التي أصبح طلاب العلم يقعون فيها السنوات الأخيرة، بحجة أن الوسائل متوفرة، فالدرس مسجل وسيعود إليه لاحقا، لكن الذي يحصل أن الدروس تتكاثر عليه ولا يعود إليها، والحزم مع النفس أنفع من تدليلها.

في اليوم الأول من الدورة سوّدت أربعة عشر صفحة، ثم بيضت سبعا، وقرأت جزءا منها اليوم التالي على شيخنا فأثنى عليها وقال متلطفا: "تلخيصك أحسن من كلامي!" وقد حاولت أن أفعل مثل طريقة الشيخ في جمع العلم وتحريره وتركيزه، وقد وقر في نفسي معنى أحببت أن أسطره هنا، فقد عرفت قديما أن الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله- كان يدّرس طلابه من بعد الفجر وحتى المغرب، واستغربت جدا من هذا الجلد لأنه حال يومي للشيخ وطلابه، وليس يوما في الشهر أو السنة، ثم إن الطلاب لا يذهبون للنوم بعد ذلك، بل يُبيّضون ما سودوه ثم يذاكرون لأنفسهم ولإخوانهم من طلبة العلم المكفوفين ثم ينامون.

وقد سألت الشيخ عبد الله السماري عن هذا الحال وكيف يصبرون على فهم المسائل هذا الوقت الطويل؟، فقال لي: "هذا الجلوس الطويل لا يقتصر على شرح المسائل والمتون، بل منه قراءة وتعليق، ومنه شرح، ومنه مدارسة، فهو اشتغال بالعلم على صور متعددة"، تذكرت هذا المعنى في دورة الأرجوزة فالشيخ في اليوم الأول ظل يشرح أربع ساعات، ثم يجيب عن الأسئلة ثلاث ساعات والاستراحات فيها قليلة، ثم لما بيضت ما كتبته، تذكرت طلاب ابن إبراهيم، وقلت في نفسي: هذا اليوم الذي عشته مشابه لأيامهم، فشيخنا ظل يشرح المسائل سبع ساعات متواصلة، ولتوفيق الله أولا، ثم روعة شرحه ثانيا، وعنايتنا بالكتابة ثالثا، حصلنا خيرا كبيرا، فإمكانية استيعاب الشرح ساعات طويلة ممكن، فهذه واحدة، أما الثانية وهي أهم منها: أن الذي حصلته في يوم واحد جليل، فلو أني كتبت كل يوم سبع صفحات أو عشرا من العلم المتين وضبطته لبلغت في العلم مبلغا جليلا كما بلغ طلاب ابن إبراهيم، وهذا المعنى غائب عنا، فنحن نحضر على أحسن الأحوال درسا واحدا في الأسبوع، وقد لا يكون فيه كبير متانة، ثم نقصّر في تفريغ مادته وحفظها، ثم نتعجب من عدم وصولنا إلى مرادنا؟! فإن أردت القفزة يا صاحبي فاختر دروسا متينة كدروس شيخنا، واشتغل على تفريغها يوميا، وحفظ مادتها بعد ذلك، ثم أخبرني بالنتيجة بعد شهر واحد فقط، مع العلم أن هذه أحد طرق التحصيل.

تربية الأولاد على مجالس العلم

من المواقف اللطيفة التي أحب أن أختم بها أن أحد الحاضرين الكرام أتى بولده ذا الست سنوات، وكان الطفل يجلس أحيانا ويخرج أحيانا، فتعجبت من إتيان والده به، وتعجبت من لطف الشيخ مع الطفل، فقد كان الشيخ يمازحه طيلة الوقت ويتحمل مقاطعته، وفي ختام الدورة ضمه الشيخ وودعه وأثنى عليه، أما والد الطفل فقد سألته عن سبب إحضار ولده: فقال لي: كيف ينشأ الأولاد على حب العلماء ومجالس العلم وهم بعيدون عنها؟ لقد ربيت جميع أبنائي على حضور مجالس العلم، وزيارة المشايخ ومصاحبتي في ذلك، وأصبر على ما يكون منهم، ولذا فأبنائي الكبار يحبون المشايخ محبة شديدة، وهذا الولد الأخير أفعل به كما فعلت بهم، ألا ترى حبه للشيخ وقربه منه؟

 

تم بحمد الله الحادية عشر مساءً من يوم السبت

السابع والعشرين من جمادى الآخرة لعام ست وأربعين بعد الأربع مائة والألف

الخميس، 26 ديسمبر 2024

لفتة (10) الموقف من رد النصيحة

 

[10]

الموقف من رد النصيحة

الأربعاء 24/6/1446هــ

من المواقف المؤلمة التي يمر بها المسلم أن يرى من يحتاج النصح من إخوانه فيبذل له النصيحة لكنه يواجه بعدم قبولها، بل ترد عليه، وأحيانا يُستهزئ به، بل يعادى في أحيان أخرى، فما هو الموقف من عدم قبول النصيحة؟

1-      شكر الله سبحانه وتعالى أن وفقك للقيام بهذه العبادة الجليلة، فإن القائمون بها قليل.

2-      أن تتذكر أن مهمة الداعية هي البلاغ لا الاستجابة، قال ربنا سبحانه: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}، فإذا بلّغت وأحسنت في البلاغ فقد قمت بدورك، أما وقوع الاستجابة فأمرها لله سبحانه، إن شاء أنزلها وإن شاء رفعها، ومن طلب الاستجابة انحرفت بوصلته، ثم ترك النصح والدعوة إلى الله بعد فترة من الزمن.

3-      اصبر على ما يأتي من استهزاء أو أذى بسبب النصح، فإن بعض النفوس المريضة لا يطيب لها حال ولا يهدأ لها قرار حتى تستهزأ بمن نصحها أو تعاديه، فلتكن صابرا صبرا عظيما، ولتعلم أن من أوامر الله جل جلاله لنبيه أول الدعوة الأمر بالصبر، فقال سبحانه: {وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (10)}، وقال سبحانه: {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7)}، والصبر على ما تواجه من أمارات بذلك النصيحة لله.

4-      مراجعة نيتك وطريقتك، فالداعية ليس سالما من القصور، فقد يكون عدم قبول النصيحة بسبب فساد نيته، بأن يكون نصحه لغير الله، أو تكون طريقته خاطئة، وما أكثر قصورنا في هذا الباب.

5-      اعتبر أيها الداعية بهذا الحال، فعدم قبول النصيحة مرض خطير، وبلاء عظيم، من أسبابه: وجود الكبر، قال سبحانه: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (146)}، ومن أسبابه شدة الغفلة عن الله تعالى، قال ربنا: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92)}، فرؤيتي لهذه العبرة يدعوني للاعتبار، ومراجعة نفسي في هذا الأمر حتى لا أقع فيه.

6-      كرر النصح مرارا، ونوّع في الأساليب، واختر أجودها، فالنصح قد لا يقبل من المرة الأولى، لكن مع التكرار يجد قبولا، وقد تعرف من النصح الأول، أن هناك طريقة أنفع من التي سلكتها، تأمل في حال نبي الله نوح -عليه السلام-: {ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9)}.

7-      نفع النصيحة ليس مقتصرا على قبولها فقط، بل من نفعها أن يبقى الحرام حراما في النفوس، والواجب واجبا في النفوس، وهذا مقصد عظيم من مقاصد الدعوة، والتقصير الكبير في النصيحة سبب لوجود الغشاوة حول الأحكام الشرعية.

8-      لا تطل حزنك على من ردك وامض إلى غيره، فقد قال الله لنبينا صلى الله عليه وسلم: {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8)}، فالمدعوون كثير، ووقتك محدود، والأعمال التي على عاتقك كبيرة، ومثل هذا الموقف لا يردك أو يوقفك.

سؤال اللفتة: هل أنت مستعد لرد نصيحتك؟

والله الموفق..

لفتة (29) كيف أتقن فقه الحج؟

  [29] كيف أتقن فقه الحج؟ الأربعاء 25/3/1447هـــ المقبل على العلم الموفق فيه هو الذي يولي قضية ضبط العلم عناية خاصة، وذلك لأنها طريق...