نافذة الاستشارات (1) | كيف أخرج ما عندي من المعلومات والخبرات؟
السؤال:
أقضي جزءا كبيرا من يومي -بحمد الله تعالى- في تحصيل المعلومات سواء عن طريق القراءة أو السماع، وأشعر بالسعادة لما يتحقق لي من فائدة، وتزداد أكثر إذا مارست هذه المعلومات وطبقتها، وذلك لأني أشعر بثمرة ما تعلمت كما أن خبرتي وأفكاري تنمو بالممارسة، لكني أتمنى أن أخرج ما في نفسي من معلومات وخبرات للناس ولا أجد طريقة لذلك، وكنت أنتظر من يسألني عما أعرف ولكن للأسف!، جربت أن أكثر الحديث أحيانا مع بعض من حولي لكني أشعر أني أثقل عليهم لا سيما أن كثيرا منهم لا يهتم بما أهتم به، ويبقى كذلك عندي معلومات كثيرة لم أخرجها، إضافة إلى شعوري بأن في ذهني أفكارا كثيرة غير مرتبة وأريد أن أرتبها وأخرجها، فما الحل لهذه المشكلة؟
الجواب:
الحمد لله.. هذا السؤال نابع من نفس تتصف بهمة عالية فهنيئا لك بما رزقك الله، وما سألت عنه يهم طلاب العلم والقراء والمثقفين، لأنهم يحصّلون كما كبيرا من المعلومات، ويقع لهم قدر كبير من التجارب، وإن لم يعتنوا بتمحيصها وبثها ونفع الناس بها خسروا ما يملكون من الثروة، وكانوا مع الأيام مثل العوام، لأن العطاء ينضج الإنسان ويزيده، وجواب سؤالك في النقاط الآتية:
1) تحتاج أن تحمل مسؤولية حل مشاكلك بنفسك، وذلك حتى تجد حلها، أما انتظار حلها من الناس ففي الغالب أنه لا يفيدك شيئا، وعملا بهذه القاعدة فحل مشكلتك في أمرين:
أحدهما: تنمية الحوار مع النفس.
والآخر: إيجاد قناة لتفريغ ما عندك فيها.
2) أما الأمر الأول فتكمن أهميته في أنك لن تجدا أحدا أكثر صبرا على السماع منك من نفسك التي بين جنبيك، فنفسك هي التي تسمع لك كل ما تريد في الوقت الذي تريد بالطريقة التي تريد، وعلى هذا خصص وقتا يوميا للحديث مع نفسك، ومناقشتها في كل ما يمر عليك من معلومات، وأفكار، ومواقف، وقرارات، وشرط هذا الحوار الخفاء، فلا يراك الناس أثناءه حتى لا يتهموك أو ينتقدوك، وشرطه الثاني: الأريحية، فلا تخجل من نفسك في شيء، تكلم بعفوية وعشوائية المهم أن تخرج كل ما عندك، وإذا حاورت نفسك يوميا ستجد نضجا في أفكارك، وتحسنا في قراراتك.
3) من نعم الله علينا وجود هذه التقنية التي تستطيع من خلالها تحقيق الأمر الثاني، فتفتح لك مدونة أو حسابا في موقع إكس "تويتر سابقا" إذا كنت تحب الكتابة، وتفتح لك قناة في اليوتيوب إذا كنت تحب المقاطع الصوتية أو المرئية، ولك أن تفتح قناة في التلقرام لكل ذلك، ومن جمع بينهما زادت ملكاته، وكبر تأثيره، كما أنك بحاجة لحفظ تلك المواد لأنها خلاصة علمك، ومن مزايا التلقرام حفظ موادك عليه ولو حُذفت من الجهاز.
4) ليكن هدفك أول الأمر إخراج كل ما في نفسك دون تحفظ، فلا تنظر إلى الترتيب، أو الوحدة الموضوعية، أو التصميم أو غيرها، المهم أن تخرج ما في نفسك من المعلومات، والأفكار، والتجارب.
5) هذين الأمرين يحققان لك ثلاثة فوائد:
أولها: حفظ أفكارك.
وثانيها: ترتيب معلوماتك وتصوراتك.
وثالثها: نفع الناس بها.
6) لا يلزم من التعبير النشر، فأنت مخير بين نشر ما لديك أو تأجيله، فإمكانك أن تنشر ما لديك مباشرة، من خلال نشر رابط قناتك للآخرين، وبإمكانك فتح قناتين الأولى خاصة والثانية عامة، فتنشر في الأولى كل ما أردت، وتنتقي للثانية ما تراه مناسبا، وتستطيع إذا لم تجرب العطاء من قبل أن تمكث فترة تخرج ما في نفسك حتى تقطع شوطا في التعبير عن أفكارك وترتيبها، ثم تخرجها في وقت لاحق.
7) من الضروري أن يكون لك مشروع مستقبلي توظف فيه علمك من ناحية، وتنفع الناس من ناحية أخرى، فما ذكرناه آنفا هو وسيلة، والغاية وجود مشروع عطائي تنفع الناس به، سواء تدريس، أو تأليف، أو تدريب أو غير ذلك مما يناسبك، فلا تنشغل بالوسيلة عن الغاية، وتذكر أن هذه القناة التي ستفتحها ستكون معينة لك على عطاءك القادم، كما أن وجود مشروع عطائي يزيد من استخراج ما لديك، وكلما توسع مشروعك توسع عطاؤك، وستصل إلى مرحلة تتعجب فيها من نفسك وما وصلت إليه.
8) مع الأيام رتب أفكارك وموادك، أعد قراءة ما كتبته وسماع ما سجلته وتأمل فيه، ستجد أنك بحاجة للإضافة هنا، والتعديل هنا، والتقديم هنا، والتأخير هناك وهكذا، فيحصل لك التحرير والترتيب.
9) بما أن التعلم والتعليم هو مشروع حياتك، أو من أهم مشاريع حياتك فلا تفرط في أن تجعله طريقا إلى الآخرة، وذلك بإخلاص النية لله تعالى في كل تعلمك وتعليمك، وأن يكون مشروعك خادما للدين نافعا للمسلمين.
10) إن عملت بما سبق ستجد سعادة كبيرة بإذن الله تعالى، لتحقق مرادك من جهة -وهكذا هم طلاب العلم لا يستطيعون العيش من دون الكلام والعطاء وإلا ماتوا أو مرضوا-، ونفع الناس من جهة أخرى، كما أن أفكارك ومشاريعك ستنضج وترتقي.
والله أعلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق