الأحد، 13 فبراير 2022

بستان الودعان

بستان الودعان

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الشافعي -رحمه الله-:

تَغَرَّب عَنِ الأَوطانِ في طَلَبِ العُلى *** وَسافِر ففي الأَسفارِ خَمسُ فَوائِدِ

تَفَرُّيجُ هَـــمٍ وَاِكتِســــابُ مَعيشــَــةٍ *** وَعِلمٌ وَآدابٌ وَصُحبـــــَةُ ماجِــــدِ

 

أنعم الله علي بمعرفة شيخي المبارك عبد الرحمن بن فهد الودعان -حفظه الله تعالى- في شهر صفر من هذا العام 1443هـ، وانتفعت كثيرا بدروسه، ويسر الله مقابلة الشيخ في مكة والاعتمار معه، وكان في اللقاء بالشيخ فوائد كبيرة أحببت تدوينها في هذا المقال، وهي تجمع بن الفوائد القولية والأخرى الفعلية، وفيها إشارة لبعض الأمور من سيرة الشيخ.

·        درس شيخنا على جملة من العلماء منهم: العلامة عبد العزيز ابن باز، والشيخ عبد العزيز الداوود، والشيخ عبد العزيز بن قاسم، والشيخ إبراهيم الصبيحي، والشيخ عبد المحسن العبيكان، وقد أخبرنا أن ملازمته لهم طويلة جدا، فعلى سبيل المثال: درس على بن قاسم 26 سنة، ولا يزال يدرس إلى الآن على الشيخ العبيكان وقد بلغت سنوات دراسته عليه 31 سنة، ويقول: أجد عنده ما لا أجد عند غيره، ولن أتركه إلا بالموت!

·        قلت للشيخ مرة: أحبك في الله فقال: أحبك الله الذي أحببتني له، فقلت: لم تقول له؟ أليست فيه؟ فقال: "ألتزم بلفظ الحديث هكذا وردت، ولا إشكال في فيه".

·        لما كنا في المسعى أخذ الشيخ بيدي ثم نظر إلي وتبسم وقال: "أحبك في الله"، فقلت: أحبك الله الذي أحببتي له، فأكمل: "اقتدي في ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم عندما أخَذ بيدِ معاذ يومًا فقال: (يا معاذُ إنِّي واللهِ لأُحِبُّك) فقال معاذٌ: بأبي أنتَ وأُمِّي يا رسولَ اللهِ، وأنا واللهِ أُحِبُّك".

·        لما انتهينا من السعي قال الشيخ: ما رأيكم كيف نخرج؟ فقال الأول: أقترح أن نخرج من عند الصفا بأن نمشي من مسار الذاهبين كأنه شوط ثامن لأن الخروج من باب المروة يعرضنا لحرارة الشمس، فوافق الشيخ، ثم قال الآخر: بل نعود من مسار القادمين لكن على الجدار، فقال الشيخ للأول: هل تأذن بأن نقبل بالاقتراح الثاني، فقال: كما تحبون، فلما مشينا اعترضنا مع أشخاص كثر حتى خرجنا، فقلت للشيخ: لم يكن الاقتراح الثاني موفقا، فقال لي: "تعلم في حياتك ألا تكسر خاطر أحد ما دام أن رأيه لا يعارض الدين وليس فيه مضرة، فأنا وافقت للأول ثم للثاني وكسبتهما جميعا بحمد الله، ومن أول الأمر جعلت الرأي لكم، وقد كنت قادرا أن أقرر من نفسي لكن من باب التلطف مع الآخرين، وفي تربيتي لأولادي أسعى ألا أكسر قلوبهم، فأتلطف معهم تارة، وأوجههم تارة، وألاعبهم تارة أخرى، وهم يسعدون ويقولون أن صدري واسع على أخطائهم".

·        عندما خرجنا من الحرم استقبلنا عدة حلاقين وتخاصموا علينا فقال الشيخ لهم: (مايبغى جنجال) وكررها مرارا بلطف، ثم قال لنا: سنرضيهم جميعا بأن نتقسم عليهم.

·        تحدث الشيخ في أحد الدروس بحديث مؤثر حول كنوز الحسنات في العمل بالتيامن([1])، ووجدت هذا عمليا عند الشيخ عندما قابلته، ومن ذلك: لما دخلنا إلى الحلاق قال له: "ابدأ بحلاقة الجزء الأيمن من رأسي ثم الأيسر، واعمل بذلك مع كل الناس محتسبا الأجر في الاقتداء بسنة النبي صلى الله عليه وسلم"، ومن المواقف أيضا: أنني جئت لأطيبه بعطر وقت الصلاة، فقال: "ابدأ بيميني، وهكذا أوصي زوجاتي".

·         كنا نتجاذب أطراف الحديث عن إلقاء الدروس فقال لي: "يُفتح علي في الدروس فتحا عجيبا، وبعض المسائل تكون مشكلة فإذا جلست للدرس حُلت بشكل يجعلني أتعجب من سبب هذا، ولا أراه إلا رزقاً من الله لي"، فقلت للشيخ: لدينا في الجنوب شيخ معروف ببذله الدعوي واسمه أحمد بن متعب قال لنا يوما: "أحضّر للمحاضرة لكني إذا جلست على الكرسي أقول كلاما جميلا لم أحضّر له أود لو أني سجلته ولا أراه إلا رزقا من الله للحاضرين"، فضحك الشيخ عبد الرحمن وقال: "صاحبكم هذا غلبت عليه العبادة فنسب الرزق للناس لا له".

·        أفادني الشيخ بفائدة عندما جئنا لنشرب ماء زمزم فقال: "ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه شرب ماء زمزم قائما"، فمن باب حب الفائدة التفتُ على رجل كان يشرب بجوارنا وقلت له: من السنة الشرب جالسا لكن في زمزم شرب نبينا قائما، فاستغرب من كلامي وقلب يديه متعجبا، وقال: أنا أشرب جالسا ومضى، فقال لي الشيخ: "أخطأت في نصحك"، فقلت له: لماذا؟ فقال: "لأن من قواعد الدعوة ألا يُنصح العامة إلا بالأصول الواضحة، أما الدقائق كهذه فإنها تربكهم وقد تضلهم"، فقلت: جزاك الله خيرا، وكان مصداق نصيحة الشيخ في تعجب الرجل وعدم قبوله للنصيحة، فأصبحت الفائدة فائدتان!

·        جاء الحديث عن أهمية تشجيع الناس والثناء عليهم كأسلوب دعوي فقال الشيخ: "من أهم فوائد كتاب الفضائل في السنة: أسلوب التشجيع في التربية".

·        "من مشاكل الشباب التي لاحظتها قديما أن كثيرا منهم يتزوج فيضعف عن العلم والدعوة! ولذلك أسباب كثيرة".

·        "جميع أسماء أولادي بأسماء الصحابة فما فوق، ولم أجد من زوجتيّ -جزاهن الله خيرا- إلا تأييدا".

·        لما ركبنا السيارة قال الشيخ: "اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بِك مِن أَن أضِلَّ أو أزِلَّ أو أظلِمَ أو أُظلَمَ أو أجهَلَ أو يُجهَلَ عليَّ، {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} ..." فسألت الشيخ: هل يقال الدعاء الأول في السيارة؟ فأجاب: "لا، هو عند الخروج من البيت، لكني أقوله أحيانا مرتين حتى يكرر أهلي معي ولا يضر تأخيره قليلا"، بعدها أوقفنا سيارتنا وركبنا مع سيارة أجرة فقال الشيخ دعاء الركوب مرة أخرى.

·        كان الشيخ يوجه بعض المعتمرين وينصحهم ومن ذلك أنه كان يأمر من جعل إحرامه تحت سرته برفعه، وكرر ذلك كثيرا، فسألته عن ذلك فأجاب: "يجب ستر العورة لأنها من شروط صحة الطواف كما قال بعض أهل العلم".

·        من التجارب التي أفادني الشيخ بها حول الخطابة يقول: "درست خطب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم خطب أربعة من أشهر الخطباء المعاصرين وهم: عبد الحميد كشك، وأحمد القطان، ومحمد العوضي، وعبد الوهاب الطريري، وعرفت مواطن القوة عندهم وبدأت استفيد منها، وكتبت شيئا من فوائد دراستي هذه لكني لم أكمل فيها، وحاليا في السفر أحب السماع لكشك لأنه أستاذ الخطابة في عصرنا، ومهارته الخطابية لا تعني تبرير أخطائه، فلديه استدلال بكثير من الأحاديث الضعيفة والموضوعة، كما أنه يطلب من الحضور الكلام أثناء الخطبة وغير ذلك، ومن التجارب أيضا: أنني أقف كل سنة أو سنتين لتطوير نفسي وذلك بالتأمل في خطبي أو بالسماع لتسجيلاتها وتقييمها".

·        من الأمور التي أخبرني بها الشيخ: "كنت في سنوات ماضية أجد وقتا كبيرا للتفكير والتأمل، ولذلك عندي دفاتر مليئة بالتأملات، أما الآن فلا أجد وقتا للتفكير -والله المستعان-".

·        "التيسير في الشريعة له صورتان:

o      إحداها: أن تكون الشريعة حاكمة على التيسير، وهذا هو المنهج الشرعي.

o      والأخرى: أن يكون التيسير هو الحاكم على الشريعة وهذا منهج منحرف ورائد هذا المنهج في عصرنا هو يوسف القرضاوي، وقد تبعه في هذا عصام البشير وسلمان العودة".

·        "شرحت قديما عمدة الفقه، وكنت أتعب في التحضير للدرس ثم ألقيه دون أن أكتب، وندمت ندما شديدا لأني لم أكن أدون ذلك التحضير وكثير من المواد التي كنت ألقيها في حياتي".

·        من الطريف أن قال لي الشيخ: "ذهبت إلى الشيخ عبد الله الركبان وطلبت أن أدرس عليه، فقال: ماذا تريد؟ فحددت الكتاب ثم طلبت أن يكون الشرح لكتاب الزكاة ثم المعاملات، ولما درست على الشيخ عبد المحسن العبيكان طلبت أن تكون البداية من المعاملات"، فسألت شيخي الودعان عن السبب؟ فأجاب" لأن كثيرا من دراستنا على المشايخ نتم فيها الطهارة والصيام والحج ونتوقف في ثنايا الصلاة! فنبقى ضعافا في الزكاة والمعاملات، ولذلك سددت الخلل عندي بهذه الطريقة، وأضاف: "يندر أن يقام يوم علمي في أحكام الزكاة أو العمرة، ولذلك سألقي خلال الشهرين القادمين يومين علميين أحدهما في الزكاة والآخر في العمرة".

·        "استفدت من عملي في المناهج فأخذت المناهج التي ألفتها وعدلت عليها لتخرج مؤلفات مستقلة، فكتابي "الوسيط في المعاملات" أصله كتاب فقه المعاملات للصف الثاني ثانوي، وكتابي "الوجيز في الآداب الشرعية" أصله كتاب الثقافة الإسلامية للصف الأول الثانوي".

·        "قبل أن أشرع في التأليف أستوفي حظي من القراءة فيه، وتزيد وتنقص بحسب مستوى معرفتي به، وأذكر أنني قبل تأليفي لكتاب المعاملات للصف الثاني ثانوي مررت على جميع مكتبات الرياض، واشتريت كما كبيرا من كتب المعاملات، واعتكفت على قراءتها مع دراستي في حينها على أربع من المشايخ في فقه المعاملات، وجمعت معها مدارسة يومية مع أحد أقراني، ومكثت على ذلك ثمانية أشهر حتى شربت المعاملات ثم شرعت في تأليف الكتاب".

·        "من عادتي ألا أشغل نفسي بالأمور التي لا أستطيع أن أفعل فيها شيئا".

·        "عندي ثلاثة أهداف في حياتي: (العلم والدعوة والعبادة)، وقد كان ترتيبها قديما الدعوة ثم العلم ثم العبادة، وغيرتها قبل سنوات فأصبحت العلم ثم الدعوة ثم العبادة، وأطمح أن تكون العبادة الأولى فيما بقي من عمري".

·        تحدث الشيخ مرة عن أهمية مراجعة العلم والازدياد منه باستمرار، وقال كلمة أعجبتني: "علمك إن لم يزد نقص".

·        كان الشيخ -حفظه الله- يذكرنا بالنوافل كالوتر قبل النوم، والضحى في الصباح، ويوقظنا لقيام الليل قبل الفجر بساعة.

·        أوصاني الشيخ بتعلم فقه العبادات وتكراره مرارا، وقال: حاجتك وحاجة الناس إلى فقه العبادات أكثر من باقي الفقه، و70% من أسئلة الناس في العبادات.

·        "لا أحب أن يمل أحد مني، ولذا إذا مكث الطالب عندي مدة أقول له: إن شئت أن تذهب لغيري فلا حرج عليك".

·        كنا نتحدث عن الفوائد فقال الشيخ عبارة أعجبتني: "الفائدة تعتمد على المستفيد وليس المفيد لأنه هو الذي يشعر بها".

·        هنا موقف لن يفهم حتى أسبقه بمقدمة، وهي: أن شيخنا عندما كان يشرح أحكام السفر في درس عمدة الفقه نبه إلى بعض اللطائف وقال: هذه ليست من الفقه وإنما من سياسة الحياة، ومثالها: إذا انتهيت من قضاء حاجتك فارفع ملابسك وأنزل ثوبك بتأن بعد أن تتقدم عن مكان قضاء حاجتك، والعلة في هذا أنه قد يسقط منك مفتاح السيارة، فإن كنت على الكرسي فسيدخل في المجاري، وإن ابتعدت قليلا سقط على الأرض.

أما الموقف فعندما جئنا لنغسل أيدينا بعد تناول العشاء قلت للشيخ كلمة أسير فيها على طريقته في ذكر لطائف سياسة الحياة، قلت: من سياسة الحياة يا شيخ أن من أراد أن يغسل يديه بصابون الأيدي فإنه يوجه فتحته على جهة المغسلة لا جهة ثوبه حتى لو خرج منه شيء كثير فلا يوسخ ثوبه، فقال الشيخ: هذه فائدة مهمة، كررها علي، فكررتها، فجاء الشيخ وطبقها، فتعجبت! فقال الشيخ: "قيل: لا ينال العلم إلا من يأخذه عمن فوقه، ومن هو مثله، ومن هو أقل منه، وأنا أسعى للاستفادة من مشايخي وأقراني وطلابي، وهذه فائدة استفدتها منك جزاك الله خيرا!

·        حدثني الشيخ بأن عنده أفكار ٦٠٠ كتاب! فقلت: لكن وقتك ضيق ولا تستطيع إنجازها؟! فأفادني الشيخ قائلا: "أتعبد لله بأفكار المشاريع لأنها نية، ونية المؤمن خير من عمله، قال نبينا صلى الله عليه وسلم (مَن هَمَّ بحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها، كُتِبَتْ له حَسَنَةً، ومَن هَمَّ بحَسَنَةٍ فَعَمِلَها، كُتِبَتْ له عَشْرًا إلى سَبْعِ مِئَةِ ضِعْفٍ)، وكما أوصى الإمام أحمد ابنه صالح: (يابني انو الخير فإن نية الخير خير فاستكثروا من النوايا)، ومن اللطائف إذا أتتني فكرة كتاب فإني أفتح لها ملفا في الحاسب وأكتب الفكرة وأدعها حتى يأتي وقتها"، ومن المفيد أن للشيخ خطبة رائعة بعنوان: "أهمية النية" وهي على قناته في اليويتوب.

·        من الفوائد التي استفدتها من الشيخ أنه في أثناء إلقاء الدروس وحتى في حديثه معنا تأتيه خواطر وفوائد فيسارع لتدوينها، أو يطلب من أحد الطلاب أن يكتبها ويرسلها له، وهذا من حرصه على تقييد العلم، ومن المعلوم أن الملقي يُفتح له أثناء الإلقاء بفوائد لا تحضر أثناء التفكير المحض!

·        "تحضير خطبة الجمعة مع حفظها يأخذ مني من ثلاث إلى خمس ساعات، ولست خالي الذهن فعندي حصيلة علمية وكم من التجارب، لكن لا ألقي الخطبة بلا إعداد مطلقا، وعند الأزمات لا يقل وقت التحضير والمراجعة عن ساعة ونصف".

·        "قبل الخطبة أدعو الله كثيرا بالتيسير والتوفيق، وبعدها أجلس على الدرج للراحة وشرب الماء من دقيقة إلى دقيقة ونصف".

·        "لي ١٧ سنة خطيبا والخطبة هم يؤرقني ولا أتعامل معها كوظيفة، ومن عاملها كذلك قتلها، وكلما شكرني أحد أو أثنى زاد همي، وكما قيل لعبد الملك بن مروان: عَجِلَ عليك الشيبُ يا أمير المؤمنين. قال: "وكيف لا يَعجَل عليَّ وأنا أعرِضُ عقلي على الناس في كل جُمُعة مَرَّةً أو مرتين"".

·        "استقرأت جميع سلبيات والدي وتفاديتها مع أبنائي بحمد الله".

·        "قال النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: (اسْتَكْثِرُوا مِنَ النِّعَالِ، فإنَّ الرَّجُلَ لا يَزَالُ رَاكِبًا ما انْتَعَلَ) عملا بهذه السنة عندي ١٣ نعلا منها حذاء خاص بالمطر، وثان خاص بالحج والعمرة، والبقية لداخل البيت وخارجه".

·        "أول ما تقاعدت زدت عدد الدروس، لأن غرضي من التقاعد هو التعليم والدعوة إلى الله وإلا فلا زلت شابا" ثم ابتسم.

·        لا حظت أن الشيخ يفرق بين الحديث العام الذي يلقى في الدروس ويكتب في المؤلفات، وبين الحديث الخاص الذي يكون في السفر أو مع طلابه، فالشيخ يأخذ راحته في الحديث الخاص ويتنزل ويلقي حتى بالخواطر التي لم يحررها، بينما الحديث العام يحدّث بأجود ما يعلم، ويضبط كلامه ويتحرز كثيرا، وفهمت حينها لم كان الشيخ لا يحب التسجيل وقد منعه لسنوات، وكان يقول: التسجيل يقيدني وأريد أن آخذ راحتي في الكلام، وأرى أن هذه الفائدة مهمة في الممارسة العملية لطالب العلم، فبعضهم يخطأ فيساوي بين الحديث العام والخاص إما في الجدية أو في التنزل!

·        مما أعجبني في طريقة الشيخ في دروسه أنه يستقبل الأسئلة الخاصة بالدرس في أثناءه، فيفتح بعد كل مجموعة مسائل يشرحها المجال للسؤال فيما مضى، ويعلل ذلك حتى لا تمل الأذهان، وأما الأسئلة العامة فلها آخر الدرس، وعلل ذلك بسببين:

o      الأول: حتى لا ينقطع فهم الدرس بمسائل خارجية.

o      والثاني: لأن جميع الطلاب تهمهم الأسئلة المتعلقة بفهم الدرس أما الأسئلة العامة فيستأذن جملة منهم لعدم رغبتهم في سماعها، وإذا جاء ليجيب عن الأسئلة يبدأ من اليمين وحتى اليسار، وكأنه يعمل بسنة التيامن، ويعدل بين الأسئلة الحضورية والإلكترونية فسؤال من هنا وسؤال من هناك.

·        سألنا الشيخ أكثر من مرة عن طريقة ضبط الفقه وبعض الأبواب التي تصعب علينا منه فأوصانا قائلا: "اضبط أصل الباب، والتفاريع بعدها ستكون سهلة، وذلك بتكرار مختصر، وتكرار شرح الباب مرارا حتى ينضبط، فإذا ضبطت أصل الباب سهل عليك باقيه، أما التفاريع فينساها حتى المشايخ الكبار"، وقال أيضا: "إذا استعصى عليك باب فاعكف عليه ثلاثة أشهر لا تخلطه بغيره، وانظر كيف تخرج بعد ذلك متمكنا فيه".

·        من العبارات المنهجية التي أفادنا بها الشيخ في دروسه: "لا أنتقل من قول إلى قول إلا بعد بحث ويقين، فالأصل أنني أبقى على أقوال مشايخنا والتي عملت بها سنين طويلة ولا أنتقل عنها إلا بيقين".

·        سألت الشيخ عن القزع هل يشترط أن يكون حلق بعض الرأس بالموس؟ فقال: لا، العبرة بالبروز فإذا كان الشعر الباقي بارزا فهو قزع، ثم لو قلنا بأن التخفيف ليس قزعا فهو من التشبه، ومن تشبه بقوم فهو منهم.

·        "كنت مشتغلا بالدعوتين العامة والخاصة، -وأنا أسمي التربية بالدعوة الخاصة-، وصعُب علي الجمع بينهما وبين العلم والأسرة، وظللت عام ١٤١٥ أستخير وأستشير من أوله إلى آخره، حتى جزمت بترك التربية والتفرغ للجانب العلمي مع بقاء الدعوة العامة".

·        "سافرت إلى أمريكا في رحلة دعوية قبل عشرين عاما، وكتبت كل ما يتعلق بها من خواطر وأفكار وتجارب وفوائد، وبعد العودة طلبني أحد الإخوة الدفتر فأعطيته مشترطا عليه أن يعيده، ولم أره من ذلك اليوم وتحسرت عليه، وقبل مدة جاءني أحد الطلاب ليخدمني بكتابة أحد الدفاتر على الحاسب فأعطيته نسخة مصورة من الدفتر وطلبته أن يعيده، ولم أره من حينها، فأخذت على نفسي ألا أعطي دفاتري لأحد".

·        قاعدة ودعانية: "النية لا تنعطف إلا في الحج وصيام النافلة".

·        "قال لنا أستاذنا في الجامعة عبد الرحمن الباني لو قيل لي ما أفضل ١٠٠ كتاب في هذا العصر؟ لجعلت منها الأعلام للزركلي، ولو قيل لي ما أفضل ٥٠ كتابا في هذا العصر؟ لجعلت منها الأعلام أيضا، وأقول أنا: لو سئلت هذا السؤال لقلت: الموسوعة الفقهية الكويتية، ففيها ترتيب عجيب لا يتخلف من أولها إلى آخرها رغم أنها ٤٤ مجلدا، والقوة فيها واحدة في مختلف الموضوعات".

·        "لم أترك صلاة الضحى -بحمد الله- منذ أربعين سنة إلا لشيء خارج عن الإرادة، وأستغرب من طالب العلم الذي لا يصلي الضحى".

·        طلبت من الشيخ أن يعلق لي على كتابه "الجــــــوهرة النقية في القواعد الفقهية" فوافق الشيخ وفعل -جزاه الله خيرا- ومما قال لي في المجلس الأول: أقصر منظومة في القواعد الفقهية تقع في ثلاثة أبيات نظمها أحد الشافعية، احفظها الان وسمعها لي، فقلت: لا أستطيع أن أركز الآن في الحرم، لكن أحفظها في الشقة وأسمعها لك، فقال: هذا واجب منزلي عندك، فحفظتها وسمعتها له في ثنايا الرحلة، وقد وجدت الشيخ يفعل هذه الطريقة دائما مع طلابه، فإذا شرح لهم القواعد الفقهية أو أتى بذكرها أمرهم بحفظ هذه الأبيات ليسرها وقلة أبياتها، وهي:

خَمسٌ مُقَـرَّرةٌ قَواعِدُ مَذهبٍ  *   للشَّافِعيِّ فَكُـــنْ بهــنَّ خَبِــــــيرَا

ضَرَرٌ يُزَالُ وعادةٌ قَد حُكِّمتْ  *   وَكَــذا المَشَقَّةُ تَجْـلِبُ التَّيســيرَا

والشَّكُّ لا ترفــعْ به متَيَقـــَّنا  *   والقَصدَ أَخلِصْ إن أردتَ أُجُورَا

·        "نصحنا شيخنا عبد العزيز الداوود بأن نلبس المشلح كطلاب علم على الأقل مرة في الأسبوع، في يوم الجمعة تعظيما وتزينا، وقد عملت بهذه الوصية منذ سمعتها مباشرة، فظللت ألبسه عامين قبل أن أكون خطيبا، واستمريت على هذا بعد الخطابة، وأنا أوصيكم الآن بنفس الوصية".

·        "تتيسر الصحبة الصالحة للرجال أكثر من تيسرها للنساء، وذلك لكثرة مجامع الخير التي يخرج إليها الرجال"

·        "الإنسان كائن يؤثر ويتأثر، فأثر في الخير ولا تتأثر بالشر".

·        إعجابي بالشيخ في حرصه على الكتابة لا ينقضي فهو يكتب كل شيء: المواعيد، والفوائد، والأفكار، والأسماء.

·        ذكرنا له خبر اثنين من المشايخ الباذلين في الساحة العلمية فدعا لهم، وقال: "كل من يخدم دين الله نحبه وندعو له، وإن تيسر لي زرتهم لنشجعهم ويشجعوننا، ونثبتهم ويثبتوننا"، وقد لاحظت أن الشيخ يتألم كثيرا من المشايخ الذي يغلقون بيوتهم ولا يبذلون العلم، وكثيرا ما ينصحنا ببذل العلم ونشره.

·        من المواقف اللطيفة: أنني استأذنت الشيخ في ثنايا الرحلة في الذهاب لحضور يوم علمي لأحد المشايخ، فأذن وقال: "أريد منك بعدما تعود ثلاثة فوائد من الدرس"، فلما عدت قرأت عليه جميع ما دونت من الفوائد، وكان يعلق على كل واحدة منها، ويضيف ويعدل ويبدي رأيه، بل من تواضعه أن أعجبته إحداها فقال: أرسلها لي لأوردها في أحد كتبي!

·        أشهد بحسن خلق الشيخ وأنه متفوق في هذا الباب جدا، وقد لحظت في الدروس وفي سفري معه أنه لا يخرج عن حد الخلق الحسن حتى وإن كان مزاجه متعكرا، وهذه جليلة لا يستطيع عليها كل أحد!

·        عندما جئت لوداع الشيخ شعرت بالحزن فقلت له: هنيئا للشباب بك، فهم عندك في الرياض يستفيدون منك متى ما أرادوا، فأجاب الشيخ: "لو كنت في الرياض لبردت كما بردوا، ولما رأيتك في الشهر إلا مرة، فبعدك عني خير لك، كما أن الرياض قارة فالتواصل المستمر فيه صعب، ولذا فأنا أعذر كل من يتقطع في الحضور أو ينقطع عني".

 

تمت بحمد الله خمسة وخمسون فائدة من بستان شيخنا نفعنا الله بعلومه

 

تم بحمد الله في الثانية عشر ظهرا من يوم السبت

التاسع عشر من ذي القعدة لعام ثلاث وأربعين بعد الأربع مائة والألف



([1]) انظر مقطع "كنز من الحسنات في التيامن | ش. عبد الرحمن الودعان":

https://www.youtube.com/watch?v=oR5tYQs5sA0

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لفتة (29) كيف أتقن فقه الحج؟

  [29] كيف أتقن فقه الحج؟ الأربعاء 25/3/1447هـــ المقبل على العلم الموفق فيه هو الذي يولي قضية ضبط العلم عناية خاصة، وذلك لأنها طريق...