السبت، 19 يوليو 2025

رؤى (10) منهجية تدريس العامة

 

[10]

منهجية تدريس العامة

دعوة المسلمين في المساجد لها أربعة صور: الخطب، والدروس، والمحاضرات، والكلمات، وأريد في هذا المقام أن أقدم رؤية جديدة فيما يتعلق بالدروس، فنتحدث عن قواعد تدريس العامة، ثم منهجية مقترحة مع شرحها وبيان كيفية تطبيقها، ومن الله التوفيق والسداد.

من الضروري هنا أن أنبه إلى أن خطابي موجه للدعاة والمدعوين على حد سواء، فأريد من الدعاة أن يُدرّسوا العامة هذه المنهجية إذا ارتضوها، وأريد من المدعوين أن يتعلموا وفق هذه المنهجية، وأن يكون المدعو على بصيرة بما ينبغي أن يصل إليه، لأنه قد يحضر في المساجد عشرين عاما، ثم يشعر بالتكرار والملل، مع عدم إلمامه بكل ما يحتاج إليه، ولذا أقول له: استفد من هذه المنهجية وكثير مما فيها يُدرّس في المساجد، وأكمل الباقي مما لم تجده عبر الدراسة في اليوتيوب.

أولا: قواعد تدريس العامة:

1-      أهمية الجمع بين التعليم والوعظ، المتأمل في واقعنا يقف على القصور الذي لدينا حيث إن التعليم يوجه للخاصة والوعظ للعامة، مع احتياج الطرفان للأمرين، فالعامة بحاجة تعليم ووعظ، والخاصة بحاجة تعليم ووعظ، ويعتذر لذلك بعض الدعاة بأن المسائل العلمية تصعب على العامة، والجواب: أن يختار لهم أبسط المسائل التي يحتاجونها لا أن تقدم لهم نفس المسائل التي تقدم لطلبة العلم، ويعتذر آخرون بأن العامة لا يميلون إلى التعليم، والجواب: أن هذا أمر طبيعي لأن في الوعظ من اللذة ما ليس في المسائل، والوعظ موجه للقلب بخلاف المسائل فهي للعقل، والصواب ألا نوافق العامة على هذا بل علينا أن نعطيهم ما يحتاجون لا ما يحبون.

2-      العناية بترتيب الأولويات في التدريس، فينبغي أن ينظر الداعية لأهم ما يحتاجه الناس من العلم الواجب فيعتني بتدريسه، ثم يدرس ما يليه في الأهمية.

3-      اختيار الكتب المناسبة، ومن سماتها: أن تكون ذا لغة سهلة، وأن تكون شاملة، وفي مجلد واحد، فإذا كان الكتاب عاليا كان شرحه طويلا صعبا، وزهد الناس في حضور المجالس، وفي اقتناء الكتاب من باب أولى، وإذا لم يكن الكتاب شاملا اضطرنا هذا لشرح كتاب آخر في نفس الفن، وإذا لم يكن في مجلد واحد طال الطريق بأمر كان يمكن اختصاره.

4-      ضرورة تكرار الكتب مرة بعد مرة، فالتكرار من أصول التعليم خاصة للعامة، لأنهم لا يكتبون غالبا، وينسون كثيرا، ولأن الحاجة إلى هذه الكتب الأساسية لا تنتهي إلا بانتهاء الحياة، ولذا كان لزاما علينا أن نعيد شرح هذه الكتب، وأن نجاهد أنفسنا على الملل الذي نجده نتيجة كثرة التكرار.

5-      أن يكون شرح الكتب بتوسط، لا طويلا مملا، ولا قصيرا مخلا، وهذا قاعدة هامة، وذلك لأن الميل إلى أحد الطرفين يضيع الفائدة المرجوة، فمن شرح الأربعين النووية في أربع سنوات أضاع فائدتها، ومن شرحها في مجلس أو مجلسين لم يستخرج كنوزها.

6-      الختم ثم الختم ثم الختم، فإن فائدة الكتب لا تتم إلا بختمها، ومن أسوء ما يقع أن يبدأ الداعية في شرح كتاب ثم ينقطع ولا يتمه للناس، وتكون هذه عادته الجارية، فيحرم نفسه بهذا وإخوانه من إتمام الكتب، وحفز النفوس لما بعدها.

7-      اجمع بين الكتب والموضوعات العامة، فعامة المسلمين بحاجة إلى تدريس الكتب وما فيها من المسائل، وبحاجة إلى موضوعات عامة تعالج قضاياهم، ومحل الكتب في الدروس، ومحل الموضوعات في المحاضرات، والاقتصار على أحدهما خلل، ودمجها خلل آخر، فمن الدعاة من يكتفي بالدروس وهذا يقل النفع به، ومنهم من كل طرحه كلمات ومحاضرات وهذا يقل النفع به أيضا، ومنهم من يفتح دروسا لكنها لا تحوي شرحا لكتب وإنما يقدم فيها مادة المحاضرات وهذا خطأ وخلل.

8-      استعن بالله ثم اصبر، فإن كل هدف تريد الوصول إليه لا يمكن أن يتم دون استعانة بالله وصبر ومجاهدة، وتدريس العامة وتأصيلهم يحتاج إلى طول جلوس وصبر ومصابرة، أما الاكتفاء بالطرح السريع المختصر، فإنه لا يحقق ما نريد من أهداف ويبقي العامة في إشكالات كبيرة في التصور والعمل، وتذكر دائما أن الفهم يحتاج إلى وقت، ونحن نريد من عامة المسلمين أن يفهموا آلاف القضايا وهذا يحتاج إلى وقت طويل، وسنوات من العمل لا كلل.

ثانيا: منهجية تدريس العامة:

تأمل يا رعاك الله في المنهجية أولا، ثم سنعلق عليها ونبين ما فيها:

مستويات البرنامج

 

الدروس

البرامج

واللقاءات

 

 

 

المستـــوى الأول

العلوم الأساسية بشمول في كتاب

·       الجانب الإيماني:

- أدوية الذنوب: "تهذيب الداء والدواء" لسلطان الناصر.

- بناء الإيمـــــــــــان: "التوضيح والبيان لشجرة الإيمان" لابن سعدي.

·       الجانب العلمي:

- للأطفال: "الأربعون الولدانية"، محمد المهنا.

- للشباب: "مذكرة العلم الواجب للشباب"، خالد القرني، أو كتاب "سلسلة تسهيل العلوم الشرعية - المرحلة الأولى" لرشيد محمود الشافعي.

- للكبــــــار: "الدروس المهمة لعامة الأمة" لابن باز بشرح محمد العرفج، ثم كتاب "سبل السلام فيما لا ينبغي للمسلم جهله من العقيدة والسيرة والآداب والأحكام" لعبد الله البكري، ثم "تفسير الجزء الأخير من القرآن الكريم ويليه 31 موضوعا من أهم ما يحتاج إليه المسلم في دينه ودنياه" لأحمد المزيد وعادل الشدي.

 

 

 

* أولا: البرامــــــــج:

- برنامج التأهيل الرمضاني.

- برنامج تأهيل الحاج.

- برنامج التأهيل الزواجي.

- برنامج تأهيل المعتمر.

 

* ثانيا: الدورات:

- دورة قواعد تدبر القرآن.

- دورة مهارات اغتنام شهر رمضان.

- دورة الهدي النبوي في تربية الأولاد.

 

 

 

المستـــــوى الثاني

كتاب شامل لكل علم أساس

·       الجانب الإيماني:

- الأسماء الحسنى: "الأسماء الحسنى تصنيفا ومعنى" لماجد آل عبد الجبار.

- اليوم الآخـــــــــــر: "فقه الانتقال من دار الفرار إلى دار القرار" لعبد الله الفريح، "وتهذيب حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح" لسلطان الناصر.

·       الجانب العلمي:

o      الدراسة المباشرة للوحي:

- علم التدبــــر: "مبادئ علم التدبر" عبد المحسن المطيري.

- تدبر القرآن: تثوير آيات القرآن بدءا بالمفصل.

- تدبر الســـنة: تثوير أحاديث السنة بدءا من كتب الأربعينيات.

- تدبر السـيرة: تثوير أحاديث السيرة حدثا حدثا حتى آخرها.

o      الدراسة غير المباشرة للوحي:

- العقيـــدة: "أصول الإيمان" لنخبة من العلماء، أو "المختصر في العقيدة" لخالد المشيقح.

- التفسير: "المختصر في تفسير القرآن الكريم" لمركز تفسير.

- الحديث: "الأربعون النووية" للنووي، ثم "بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار" لابن سعدي، ثم "رياض الصالحين" مع تعليقات فيصل المبارك وحاشية هشام آل برغش.

- الفقــــــــــه: "الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة" لنخبة من العلماء.

- السيــــرة: "السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية" لمهدي رزق الله، أو "تيسير السيرة" لخالد الجريسي.

 

 

 

 

المستوى الثالث

التوسع في العلوم الأساسية والفرعية

·       الجانب الإيماني:

- فقـــــــــه العبــــــــــــودية: "عتبات العبودية" لعقيل الشمري.

- أساليب الشيــطان: "إرغام الشيطان" لسعد الشمري.

- أعمــــال القلوب: "أعمال القلوب" و "مفسدات القلوب" لمحمد المنجد، و"قواعد في أعمال القلوب" لعقيل الشمري.

- أعمـــــــــال الجوارح: لم يحضرني كتاب.

·       الجانب العلمي:

- الهدي النبــــــــــــــــوي: "كيف عاملهم e" و "أحوال المصطفى e" لمحمد المنجد.

- الأخـــــــــــــــــــــــــــــــــلاق: "مختصر موسوعة الأخلاق والسلوك" للدرر السنية.

- الآداب: "الآداب" لفؤاد الشلهوب.

- الأســــــــــــــــــــــــــــــــــــــرة: "الأسرة المسلمة حقوق وواجبات" لفايز الصلاح، و"تهذيب تحفة المودود في أحكام المولود" لسلطان الناصر.

- التربيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة: "التربية النبوية" لمحمد الدويش.

- بناء المـــــــــــــــــــــــــــــرأة: "شرح عمدة المرأة" لعادل الحمد.

 

وإليك أيها الموفق بيان المنهجية وإيضاح فكرتها:

·       هذه المنهجية تنقسم إلى قسمين: قسم للدروس، وقسم للبرامج واللقاءات، وقسمت الدروس إلى ثلاث مستويات بحسب الأهمية، فيتدرج فيها المسلم شيئا فشيئا، أما البرامج واللقاءات فالحاجة لها متكررة كل سنة، ولذا ليس فيها مستويات، وإنما هي مجموعة برامج ولقاءات تكرر بشكل مستمر، وغالبها ينفع الجميع، لكن بعضها يختص بفئة محددة من المسلمين.

·       والفرق بين الدروس والبرامج والدورات، أن الدروس عبارة عن مجلس أسبوعي في المسجد لمدة ساعة أو نحوها في شرح أحد الكتب المقررة في المنهجية، أما البرنامج فهو عبارة عن مجموعة مجالس تحوي بعضها شرحا لكتب، وبعضها شرحا لموضوعات، مع تطبيقات عملية لإتقان مادة البرنامج، تقدم في شهرين أو نحوها، وأما الدورات فهي عبارة عن مجالس طويلة ثلاث إلى خمس ساعات يوميا لمدة يوم أو يومين أو ثلاثة بحسب ما تحتاجه المادة.

·       ولمن أراد فهم فكرة البرامج بشكل أوسع فقد شرحتها في مقال: "الاغتنام الحقيقي لمواسم الخيرات".

·       في القسم الأول ثلاث مستويات، وكل مستوى ينقسم إلى قسمين: قسم إيماني، وآخر علمي، وهي متكاملة، فلا تغني كتب مستوى عن مستوى آخر، لكنها مرتبة حسب الأولى.

·       فأما الجانب الإيماني فعندنا ثمانية قضايا كبرى، كل قضية تحتاج أن تتقن من خلال كتاب أو أكثر.

·       وأما الجانب العلمي ففي المستوى الأول ندرس كتابا شاملا لأهم ما يحتاجه المسلم من العلم الواجب، وفي الحسبان أنه لو اكتفى به لكفاه إن شاء الله، وبعد طول بحث وتأمل وسؤال رأيت أن رسالة ابن باز مميزة في هذا وتسد الحاجة، بشرط أن تشرح شرحا وافيا، ومقترحي أن يعتمـــد شرحها للعرفج لا أن تدرس ذاتها، لأن الواقع يثبت أن القصور في تدريسها مباشرة كبير، وبهذا لا تتحقق الأهداف المرجوة، ولي مقال في كيفية تدريس هذه الرسالة، فإن أتقن العامي هذه الرسالة بشرحها فإنه يقرأ بعدها الكتابين المذكورين.

·       ولأن هذه المنهجية يراد منها أن تكون لعموم المسلمين، فقد ضمنت كتابا للأطفال، وكتابا للشباب، فأما كتب الأطفال فقليلة ويندر وجود المناسب منها، وهم يحتاجون لمنهجية خاصة، لكني اخترت لهم الأربعون الولدانية، وأما الشباب فلم أجد شيئا مناسبا لهم فاضطررت لكتابة رسالة تناسبهم، ثم وجدت بعد ذلك رسالة لطيفة أضفتها في المنهجية.

·       إذا أتقن المسلم هذا المستوى ينتقل للمستوى الثاني، والذي تنقسم فيه الدراسة العلمية إلى قسمين: دراسة مباشرة للوحي، ودراسة غير مباشرة، فالدراسة المباشرة للوحي تمكن من العيش مع نصوص الوحي والتلذذ بما فيها، مع التدرب على كيفية التعامل معها، وتدبرها، واستخراج كنوزها، وهذا كله مضبوط بقواعد وضوابط تُدرّس قبل تمكين العامة من التدبر.

·       والمقترح أن يكون تدبر الوحي ثلاثة مسارات: تدبر للقرآن، ويبدأ فيه بالمفصل لجلالته، وتدبر للسنة ويبدأ فيه بالأربعين النووية لعظمتها، وتدبر للسيرة وتدرس دراسة تأملية حتى تعين المسلم على اقتفاء هدي النبي صلى الله عليه وسلم.

·       يأتي بعد ذلك النوع الثاني وهو الدراسة غير المباشرة للوحي عبر دراسة كتاب شامل في كل علم من العلوم الأساسية.

·       ثم ينتقل بعد ذلك إلى المستوى الثالث، وفيه من التوسع أكثر مما سبق، سواء في دراسة العلوم الأساسية أو الفرعية، لكني لم أكتب التوسع في دراسة العلوم الأساسية لأنه مفهوم ويمكن للداعية أن يقوم بذلك بنفسه، فمن عرف طريقة المستوى الثاني استطاع الإكمال في الثالث، واكتفيت بذكر التوسع في العلوم الفرعية لأنها بحاجة إلى تحديد وبيان.

·       حاولت في هذه المنهجية أن أحدد أهم ما يحتاجه المسلم، ثم أرتبه حسب الأولى، ومن هذا يتبين لنا أن بعض ما ندرسه لعامة المسلمين ليس ذا نفع كبير لهم، فليس في شيء من المستويات الثلاث!

·       ومن فوائد هذا التقسيم إفادة الداعية بأن كتب المستوى الأول تحتاج إلى تكرار مكثف دائم، وكتب المستوى الثاني بتكرار أقل، والمستوى الثالث أقل من الثاني، مع أهمية الجميع.

·       ولا يشترط أن يدرس الشيخ كتب هذه المنهجية بالترتيب، أو يقتصر على واحد منها حتى يتمه، بل يمكن أن يفتح أكثر من درس ويبدأ بما يستطيع عليه منها، أو ما تمس الحاجة إليه أكثر في بيئته.

والله أعلم.

خالد بن حامد القرني

تم بحمد الله السادسة مساءا من يوم الخميس

التاسع من ذي الحجة، لعام ستة وأربعين بعد الأربع مائة والألف


لفتة (29) كيف أتقن فقه الحج؟

  [29] كيف أتقن فقه الحج؟ الأربعاء 25/3/1447هـــ المقبل على العلم الموفق فيه هو الذي يولي قضية ضبط العلم عناية خاصة، وذلك لأنها طريق...