الاثنين، 10 فبراير 2025

لفتة (17) على من ستدرس؟

 

[17]

على من ستدرس؟

السبت 9/8/1446هــ

الذين يُدرّسون طلاب العلم في المساجد والمعاهد قسمان: علماء، وطلاب علم، فالعلماء هم المتمكنون الذين بلغوا ذروة العلم، وهم متفاوتون، منهم من يتقن علما، ومنهم من يتقن علمين، ومنهم من يتقن عشرة، أما القسم الثاني فهم طلاب العلم الذين لا يزالون يسيرون في طريق التحصيل، وهم كذلك متفاوتون، منهم من أتقن كتابا، ومنهم من أتقن عشرة كتب، ومنهم من لم يتقن شيئا من الكتب لكنه كثير القراءة والاطلاع والحضور، فعنده معرفة مجملة بالعلم.

السؤال المنهجي هنا: على من ستدرس؟ لأن كلا القسمين يدرسان في المساجد والمعاهد، ولهم حضور وظهور وتأثير، وينبني على اختيارك هذا أو هذا جملة من الآثار التي ستراها مع الأيام، وكثير من طلاب العلم يمقت هذا السؤال ويكرهه، ولا يحب أن يسمعه فضلا عن أن يفكر فيه وفي آثاره، ومن لم يفتح هذا الباب وقبِل بالمجاملات والثناءات ندم آخر حياته على فوات عمره!

الأصل أن دراسة طالب العلم على العلماء، ولذا تجد أهل العلم يوصون كثيرا بأخذ العلم عن الأكابر، لأن العالم قد ضبط العلم، وأتقنه، ورسخ فيه، وعرف مشكلاته، ووصل إلى خلاصات محررة في كثير من مسائله، بينما طالب العلم لم يحصل له هذا، فإذا درّس الاثنان العلم الواحد والكتاب الواحد ظهر الفرق الكبير بينهما، فالعالم درس الكتاب وأتقنه، بينما بعض طلاب العلم يُدرّس مالم يدرس!، والعالم درّس الكتاب مرارا، بينما طالب العلم أول مرة أو ثانيها، والعالم متقن لجميع مسائل الكتاب، بينما طالب العلم متقن لبعضها، وقد لا يكون متقنا لشيء منها، وإنما مجرد مطلع عليها، والعالم حافظ للمتن والشرح، بينما طالب العلم يحتاج إلى تحضير وإعداد، والعالم ينجز الكتاب في وقت وجيز ثم ينتقل إلى غيره، بينما طالب العلم يشرح ببطء، ويكرر كثيرا، ويخرج عن مقصود الماتن، ويصعب عليه الانتقال من كتاب لآخر، ولذا يحب تكرار شرح الكتاب أو أخذ آخر في نفس مستواه!

كيف أعرف العالم المتقن؟ له صفات عديدة، إذا وجدتها بمجموعها وبإتقان عرفت أنه عالم -بإذن الله-، وهي:

·       الصفة الأولى: دراسته على العلماء.

·       والصفة الثانية: شهود العلماء له بالعلم.

·       والصفة الثالثة: كثرة معلوماته وجودة تصوراته.

·       والصفة الرابعة: كثرة ختمه للكتب بشرح متوسط.

·       والصفة الخامسة: تخريجه لطلاب العلم.    

·       والصفة السادسة: جودة مؤلفاته.

·       والصفة السابعة: إلمامه بكل أبواب فنه.

·       والصفة الثامنة: قدرته على الإفتاء والنظر في النوازل.

·       والصفة التاسعة: غزارة نتاجه وتراثه.

فأول تلك الصفات دراسته على العلماء، فمن درس على العلماء وجمع مع ذلك بذلا في التحصيل حصّل العلم بعون الله، ثم شهادة أهل العلم له بالعلم والمكنة فيه، وإذا جئت إليه وجدت غزارة في معلوماته، فالدرس الواحد يُفرّغ في أوراق كثيرة، وتتعب من كثرة كتابة فوائده، وهو يحمل تصورات عميقة، تنقلك نقلات نوعية في فهم الفن في وقت وجيز، وإذا نظرت في شروحاته وجدته يشرح شرحا متوسطا، لا قصيرا مخلا، ولا طويلا مملا، ويختم الكتب كتابا تلو كتاب، وينتج عن هذا تخريجه لطلاب علم متمكنين، فالطالب يجلس عنده سنتين أو ثلاثا فيحصل علما كثيرا ويتقن ما درسه، وينتقل من مرحلة المبتدئين إلى المتوسطين، أو من المتوسطين إلى المتقدمين، وإذا ألف هذا العالم رأيت عجبا، فمؤلفاته تبُهر الألباب، ومن صفاته كذلك: أنه متقن لجميع أبواب فنه، فلا تجده في الفقه مثلا يتقن العبادات ويتعثر في المعاملات، أو في التوحيد يتقن الألوهية ويتعثر في الصفات، مع مكنة في الإفتاء والنظر في النوازل، فليست أسئلة الناس وقضاياهم مربكة له، يهرب منها، ويحار فيها، نعم هذا يقع له أحيانا لكنه ليس الأصل، وأخيرا إذا نظرت في نتاجه من الدروس وغيرها وجدت غزارة كبيرة، فمن كان من طلاب العلم متفرغا وعنده همة يريد بها أن يقطع شوطا كبيرا في علم هذا العالم استطاع.

وأنا أحاول هنا أن أقرب لك الصورة وإلا فالقضية معقدة، فلا يلزم اجتماع الصفات التسع، لكن هذه الصفات تدل بمجموعها على العالم وتمكنه، وإلا فقد يثنى على شيخ من باب المجاملة، وقد يوجد لبعضهم الكثير من المؤلفات وهو غير متمكن، وقد يختم الشيخ الكتب بغير إتقان، ولا تظنن أن المعيار هو السن، فهناك من كبر سنه ولا يزال في رتبة الطالب!

إذا نظرنا في الواقع العلمي وجدنا جملة من طلاب العلم يجلسون للتدريس فلماذا؟ الجواب: لعدم إدراكهم خطورة التصدر قبل التأهل، ونحن نشفق عليهم، لأن التصدر يضرهم ويضر طلابهم، وقد كتبت لنفسي ولهم مقالا مطولا أتمنى رجوع القارئ الكريم إليه([1])، وسنة الله ألا يستجيب كل الناس للصواب، فما الوصية في هذه القضية؟

أما الوصية لطالب العلم المتصدر فهي:

·       مجاهدة نفسه بألا يزيد على درس واحد في الشهر أو درسين، فإن لم يستطع فدرس في الأسبوع.

·       وأن يُفرّغ بقية وقته للتحصيل، مع كثرة إعداد للدرس الملقى، وقلة الدروس مع كثرة التحصيل والتحضير، فإنهما يعينان على جودة المادة المطروحة، وتحمي من القول على الله بلا علم.

·       مع ضرورة دفع الطلاب للدراسة على العلماء وتوجيههم إلى ذلك باستمرار.

·       وعدم حمل هم تأصيلهم والاشتغال به حتى ينسيك هم تأصيل نفسك.

·       ومصارحتهم إذا نفد زادك بأنك طالب علم لا زلت تدرس وأن ما عندك انتهى، وأنك مثلهم في جملة من الفنون والكتب سواء بسواء!

·       ومن الحلول الآمنة: الشرح للأقران، فإذا كان عندك قرين أو اثنان يحبانك ويقبلان منك ويرغبان في تدريسك لهم، فلتفعل، مع ضرورة بيان أن هذا تدريس طالب لا تدريس عالم، والفرق بينهما:

o      أن تدريس الطالب أقل إتقانا.

o      ولا يلزم منه تدريس الكتب واحدا تلو الآخر، وإنما يُدرّس متنا ضبطه، ثم ينقطع حتى يضبط متنا آخر.

o      وليس مسؤولا عن إفتاء أصحابه.

o       كما أن تدريسه ليس بديلا عن الدراسة على العلماء.

·       وإني أعلم أن هذه الوصية شديدة ويجد من أراد تطبيقها صعوبة قل أن يصبر عليها، ولذا يكثر من يبدأ بها ثم يتركها، لكن أنت من اخترت هذا الطريق وعليك دفع ثمنه!

ننتقل إلى الجهة الأخرى ما هي الوصية لطالب العلم الراغب في الدراسة عند طالب علم -اختيارا أو اضطرارا-؟

·       اجعل دراستك على العلماء هي الأصل، ودراستك على هذا الطالب مكمّلة، أما إن عكست فقد وقعت في المصيبة الكبرى.

·       ثم اعرف ما هي نقاط قوة هذا الطالب؟ ولا مانع من سؤاله عنها بلطف، حتى تأخذها منه ولا تدخل في غيرها مما ليس متقنا له.

·       كما أوصيك بالاكتفاء بالدراسة عند طالب واحد فقط حفاظا على وقتك، -حتى ولو كان أسلوب الطالب أجمل من أسلوب العالم-، لأن العالم أصل والطالب فرع، ولا ينبغي أن تشتغل بالفرع عن الأصل.

أختم فأقول: هذا اللون من الطرح لا يعجب جملة من الكرام، ويرون أن فيه تجنيا على العلم وأهله، لكن الحقيقة أن طلاب العلم طرفان ونبحث عن الوسط، فإما أن يكون طعانا في المشايخ معتد عليهم ويهضم حقهم، وإما أن يكون مستجيبا لهم في كل شيء حتى في ضعفهم فيهضم حق نفسه، وأحسب أن هذه اللفتة تساعد على الوصول إلى المنطقة الوسط التي نحفظ فيها حق مشايخنا وحق أنفسنا.

سؤال اللفتة: قسّم من تدرس عليهم وحدد كيف ستتعامل معهم؟

اللهم ارزقنا العلم النافع والعمل الصالح.



([1]) مقال "مثبتات الخمول لطالب العلم" على مدونة سنا الفكر.

الجمعة، 7 فبراير 2025

سلسلة الأوراق الدعوية (8) معدودات الأشبال

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على أشرف رسل الله، أما بعد:

أشغلني سؤال مهم وهو: ما أول ما يُعلم ابن السابعة غير القرآن؟ وبحثت فوجدت أن غالب المواد الموجودة لا تصلح لهذا السن وما حوله، فعدد من كتب الأطفال كبيرة المحتوى، ولم تُكتب بما يناسب الأطفال، فطرأت علي فكرة المعدودات لسهولتها، ورأيت ألا أدخل فيها (أحكام الوضوء والصلاة، والأسماء الحسنى، والأذكار، والآداب، ومجمل العقيدة، والأخلاق)، لأن كل واحدة منها تتقن عبر منظومة خاصة من منظومات الأطفال، وهذه الورقة هي مدخل في أول ما يتعلمه الطفل.

أنبه هنا أن حفظ الطفل لهذه الورقة يحتاج غالبا إلى وقت طويل، فربما حفظها في شهرين أو ثلاثة، لأن الحفظ يكون عليه صعبا، خاصة لمثل هذه المعلومات الجادة، ومع حفظها أو بعدها يشرحها المربي له، حتى تستقر معانيها في نفسه.

رابط الورقة

 https://drive.google.com/file/d/17YU1B8o2yZCRZHgbW-mZusbShVBInA5m/view?usp=sharing

والله يحفظكم

لفتة (29) كيف أتقن فقه الحج؟

  [29] كيف أتقن فقه الحج؟ الأربعاء 25/3/1447هـــ المقبل على العلم الموفق فيه هو الذي يولي قضية ضبط العلم عناية خاصة، وذلك لأنها طريق...