الأحد، 26 يناير 2025

رؤى (8) فقدان السكن

 

[8]

فقدان السكن 

في كثير من مشكلاتنا نرمي باللائمة على غيرنا من الناس، وتكون نبرة لومنا وعتابنا عليهم عالية، لكن الحقيقة أننا السبب في كثير من المشكلات التي نعاني منها، ومن تلك المشكلات: مشكلة فقدان السكن الزوجي، والتي يعبر عنها كثير من الرجال بسؤال: لماذا لا أجد من زوجتي الذي أتمنى؟ فيزعم أنه بذل جهده لكنه لا يرى السكن في زوجته، فيثني على النساء قديما ويذم نساء اليوم، أو يثني على نساء البلدان الأخرى ويذم بنت بلده، فهل تصوره عن المشكلة صحيح؟!

الصواب يكمن في الرؤية المركبة والتي لا يميل إليها غالب الناس، ويكتفون بالأجوبة الأحادية والسطحية، مع رمي التهم كما أسلفنا، وقد رغبت أن أضمن هذا المقال خلاصة جوابي على هذه المشكلة، لما رأيت من كثرة طرق إخواني الرجال لها وبحثهم عن حلها، ولذا وإذا كانت المرأة تقرأ حروفي هذه فإني أنصحها بالخروج سريعا، لأن الكلام ليس لها، وقـــــــــــد تقع عينها على ما لا يسرها، ثم أبدأ مستعينا بالملك في الإضاءات الآتية:

الإضاءة الأولى: نية الأخذ أم نية العطاء؟

من الملاحظات التي دونتها عليكم إخواني معاشر الرجال أن أكثرنا يدخل إلى الزواج بنية الأخذ لا بنية العطاء، فهو يُجّهز نفسه للأخذ، ويتصور ألوان العطاء القولي والفعلي الذي سيصله من زوجته، لكن لا يضع في ذهنه ما سيقدمه لها، وبناء عليه لا يقرأ في شخصية المرأة ولا يعرف أسرارها عموما، وأسرار زوجته خصوصا، ثم يتفاجأ بأن زوجته تبذل له قليلا ثم تتوقف! فيشتكي ويقول: كانت تحسن إلي وتفعل كذا وكذا ثم توقفت -هداها الله وأصلحها-، وهذا يدل على تقصيرها وعدم قيامها بزوجها! وكأنه ليس مطالبا بالإحسان إليها، قال سبحانه: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} قال ابن سعدي: ({وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} وهذا يشمل المعاشرة القولية والفعلية، فعلى الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف، من الصحبة الجميلة، وكف الأذى وبذل الإحسان، وحسن المعاملة، ويدخل في ذلك النفقة والكسوة ونحوهما، فيجب على الزوج لزوجته المعروف من مثله لمثلها في ذلك الزمان والمكان، وهذا يتفاوت بتفاوت الأحوال. {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} أي: ينبغي لكم -أيها الأزواج- أن تمسكوا زوجاتكم مع الكراهة لهن، فإن في ذلك خيرًا كثيرًا. من ذلك امتثال أمر الله، وقبولُ وصيته التي فيها سعادة الدنيا والآخرة. ومنها أن إجباره نفسَه -مع عدم محبته لها- فيه مجاهدة النفس، والتخلق بالأخلاق الجميلة. وربما أن الكراهة تزول وتخلفها المحبة، كما هو الواقع في ذلك. وربما رزق منها ولدا صالحا نفع والديه في الدنيا والآخرة. وهذا كله مع الإمكان في الإمساك وعدم المحذور. فإن كان لا بد من الفراق، وليس للإمساك محل، فليس الإمساك بلازم).

وقال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} قال ابن سعدي: (أي: وللنساء على بعولتهن من الحقوق واللوازم مثل الذي عليهن لأزواجهن من الحقوق اللازمة والمستحبة. ومرجع الحقوق بين الزوجين يرجع إلى المعروف، وهو: العادة الجارية في ذلك البلد وذلك الزمان من مثلها لمثله، ويختلف ذلك باختلاف الأزمنة والأمكنة، والأحوال، والأشخاص والعوائد. وفي هذا دليل على أن النفقة والكسوة، والمعاشرة، والمسكن، وكذلك الوطء - الكل يرجع إلى المعروف، فهذا موجب العقد المطلق. وأما مع الشرط، فعلى شرطهما، إلا شرطا أحل حراما، أو حرم حلالا)، ولذا أول الخير أن تنوي بذل المعروف.

الإضاءة الثانية: تملّك القلب

إن أردت إحسان الجوارح إليك فتملك القلب أولا، فما الجوارح إلا رسل الملك، وقد حفلت نصوص السنة بالحث على الإحسان للزوجة، وضرب النبي صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في ذلك، فهو خير زوج مشى على الأرض، ومن المراجع في هذا كتاب "اللمسات الحانية في بيت النبوة" للشيخ عبد اللطيف الغامدي، والفصل الأول من كتاب: "كيف عاملهم" للشيخ محمد المنجد -وهو نفيس جدا-، فهذان الكتابان ينبغي أن تدرسهما قبل الزواج وبعده، وهنا سؤال: لماذا يُسيء كثير من الرجال تعامله مع زوجته؟ الجواب: لغياب الأصول الشرعية عنده في هذا الباب، وتأمل في هذه الأصول الثلاثة التي توجه لك القضية:

·       (1) أن تخاف الله عز وجل في زوجتك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اتَّقوا اللهَ في النساءِ؛ فإنَّكم أخذتُموهنَّ بأمانةِ الله، واستحلَلْتُم فروجَهنَّ بكلمةِ الله)، فأنجح العلاقات ما كان سائرا في ضوء مخافة الله وطلب رضاه.

·       (2) محبة زوجتك لأنها خلقت منك، فحواء خلقت من ضلع آدم، فعن قتادة قال: "{جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} قَالَ: خُلِقَتْ حَوَّاءُ مِنْ ضِلْعٍ مِنْ أَضْلاعِهِ لِيَسْكُنْ إِلَيْهَا"، فكيف تهين سكنك؟ وتحقره؟ وتعتدي عليه؟

·       (3) استشعار أن المرأة أسيرة عندك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا واستَوصوا بالنِّساءِ خيرًا، فإنَّما هُنَّ عوانٍ عندَكم، ليسَ تملِكونَ مِنهنَّ شيئًا غيرَ ذلِكَ إلَّا أن يأتينَ بِفاحِشةٍ مبيِّنةٍ)، وهذا يولد الرفق بها والصبر عليها.

فإذا اجتمعت عندك هذه الأصول: (الخوف، والحب، والرفق) نتج عنها من الصور العذبة ما نتج من النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام مع زوجاتهن، وتذكر -يا رعاك الله- أن أخلاقك الحقيقية ليس هي التي مع مديرك، أو صديقك، أو جارك، وإنما التي تخرج مع الضعفاء كزوجتك، وأولادك، وعمالك، ومن أكثر ما يحفزك على حسن الخلق مع زوجتك: كثرة وصية النبي صلى الله عليه الرجال بالنساء.

الإضاءة الثالثة: قوة الشخصية

يعقب إحسان الخلق مع زوجتك قوة شخصيتك معها، فإن الإحسان الدائم يولد الاعتداء على حقك، والشخصية القوية هي من ترده وتوازن القضية، ومن أسباب عدم نيل الرجل لما يتمنى من زوجته ضعف شخصيته معها، وتسلطها عليه، وفي هذا اشتكى لي أحد الكرام من تمنع زوجته عليه في الفراش لسنوات طويلة، وسعيها في تعذيبه بذلك، مع وفور صحتها، وفراغ وقتها، وبعد حديث طويل عرفت بأنه يعاني من ضعف الشخصية، فكان دافعا لها أن تمنعه حقه في الفراش وأن تتسلط على ماله، والتوازن -كما أردد دائما- من قضايا الحياة الصعبة، ومراجعة النفس فيه باستمرار من أسباب السعادة والنجاح، فتجد أن الرجال طرفان ووسط، منهم من يعتدي على زوجته، ومنهم من تعتدي عليه زوجته، وقليل هم أصحاب الوسط، وبين هؤلاء وهؤلاء تضيع المودة والسكن!

الإضاءة الرابعة: علّمها قبل أن تعاتبها

يبذل الوالدان في تأهيل ابنتهم ما يمكنهم بذله، لكنه في الغالب إذا وجد لا يفي بما تحتاجه في حياتها الزوجية، ولذلك أسباب منها: ذهاب جهود الوالدين في التأسيس التربوي العام الذي هو قاعدة لما فوقه، ولقلة ما عند الوالدين من الحصيلة، ولعدم إمكان تعليم البنت قواعد الحياة الخاصة بالتفصيل، ولضعف التصورات الأسرية في أحيان كثيرة عند الوالدين، أما إذا لم يؤهلها والداها أو وجّهاها بطريقة خاطئة فتلك مصيبة أخرى، وهنا يظهر قيمة اختيار الزوجة الصالحة، والتعب في الوصول إليها، فهذه القضية التي يمر عليها الرجل سريعا ظانا أنه يستطيع تغيير كل ما أراد سيدفع ثمنها عند رؤية كثرة نواقص المرأة وأخطائها، ولذا تعبنا في الاختيار ليس معناه طلب المرأة الكاملة، وإنما الحصول على أحسن فتاة قد تعب والداها في تربيتها، هنا ستفهم مباشرة أن عليك النصف الباقي، فأنت كزوج عليك مسؤولية كبيرة في تعليم زوجتك وتأهيلها، تعليمها ما تحتاجه من العلم الشرعي عموما، وما تحتاجه زوجيا وتربويا، فتعلمها كيف تكون زوجة صالحة؟ وأما فاضلة؟ فإن قبلت بهذا وعملت به سعدت أيما سعادة، وأصبحت ترى من زوجتك الذي تتمنى، وأما إن كابرت ورفضت فستطول حسراتك، وفي هذه النقطة تكثر توهماتنا -معاشر الرجال-، فتجد من يدعي بأن تعليمها ليس من مسؤوليته، وإذا لم يجدها متعلمة سيتزوج غيرها، والحقيقة أن كل النساء بحاجة إلى تعليم، لكنهن يتفاوتن في نوع ما يحتجنهن ونسبته، وتجد من يظن أن المرأة قادرة على التعلم بنفسها، فيلقي عليها المسؤولية ثم يحاسبها حسابا شديدا، فيكون الحال كما قال الشاعر:

ألْقاه في اليم مكتوفا وقال له * إياك إياك أن تبتل بالماء!

والذي أراه أن المرأة يُصعب عليها أن تتعلم كل ما تحتاجه بنفسها، حتى ولو كانت متعلمة ومثقفة، ومن أسباب ذلك: أن العلم كبير وكثير، والمرأة تحتاج إلى خلاصات مركزة، ووصول الرجل لتلك الخلاصات صعب فكيف بالمرأة؟، كما أن المرأة شخصية تنفيذية والرجل قيادية، فالقائد هو الذي يرسم الخارطة ويوجه ويجيب عن الإشكالات، والمرأة تتفرغ لتنفيذ تلك الخطة، وليس من الرحمة بها تحميلها الأمرين معا، زد أيضا أن في القضايا الزوجية والتربوية هناك خلافات كثيرة، وأنت من يختار لها الرأي الراجح الذي تعمل به، زد أيضا أن لكل رجل آرائه الخاصة التي يريد من زوجته أن تعمل بها، وهذا مما يؤكد ضرورة تعليم المرأة، ومن الأسباب أيضا: أن التعليم المتعلق بالعلاقة الخاصة فيه غث كبير ويقترب منه محرمات كثيرة، ووجود المواد النقية فيه ليس سهلا، فعندما تدع الأمر للمرأة تذهب مسكينة فتبحث في الشبكة كأقرب طريقة للوصول إلى المعلومة فتتفاجأ بكثير من النتائج الإباحية!، بل من المعالم العجيبة في احتياج المرأة لتعليمك: أنها بحاجة أن تعلمها كيف تتعامل معك؟ فهي تحتار في هذا الأمر كثيرا، وقد تأخذ برأي من يفسدها عليك!

إذا تعليم زوجتك ضرورة، وكلما علمتها أكثر سرتك أكثر، ولا تحقر شيئا في ذلك حتى السوالف التي يرى كثير من الرجال أنها مجرد صورة من صور المتعة، بينما هي كذلك وزيادة عليه صورة من صور تربية المرأة وإكسابها الرؤية الصحيحة للحياة، فأنت من خلال السوالف تنقل لها تصوراتك، وأفكارك، وأهدافك، وتفهمها الحياة كما تفهمها أنت، والرجل الفطين لا يحتقر الوقت الذي يمكثه في تعليم زوجته ولو طال لأنه يعلم أن ذلك بذل في البنية التحتية للأسرة!

الإضاءة الخامسة: اصبر على أسيرتك

إن أردت أن أهديك قاعدة سحرية فإني أقول لك: عليك بالصبر فإنه يحقق لك كل مراداتك، وهي حقيقة لا وهم، لكن مشكلتنا في ترك الصبر علما وعملا، ولذا لم نقرأ يوما في الصبر ونفهم تفاصيله، مع عدم مجاهدتنا لأنفسنا في إقامته، وفيما يتعلق بالصبر في الحياة الزوجية تأمل معي في هذا الحديث الجليل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اسْتَوْصُوا بالنِّساءِ؛ فإنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِن ضِلَعٍ، وإنَّ أعْوَجَ شَيءٍ في الضِّلَعِ أعْلاهُ، فإنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وإنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أعْوَجَ، فاسْتَوْصُوا بالنِّساءِ)، جاء في شرحه في الدرر السنية: («استَوْصُوا بالنِّساءِ»، يَعني: تَواصَوْا فيما بيْنكم بالإحسانِ إليهِنَّ؛ «فإنَّ المرأَةَ خُلِقَت مِن ضِلَعٍ»، والضِّلَعُ أحدُ عِظامِ الصَّدرِ، والمعنى: أنَّ في خَلْقِهن عِوَجًا وضَعْفًا مِن أصْلِ الخِلْقةِ، «وإنَّ أعوَجَ شَيءٍ في الضِّلَعِ أعلاهُ»، فوَصَفَها بذلك للمُبالَغةِ في وصْفِ الاعوِجاجِ، وللتَّأكيدِ على معنَى الكَسْرِ؛ لأنَّ تَعذُّرَ الإقامةِ في الجِهةِ العُليا أمْرُه أظهَرُ. وقيل: يَحتَمِلُ أنْ يكونَ ذلك مَثَلٌ لأعْلَى المرأةِ؛ لأنَّ أعلاها رَأسُها، وفيه لِسانُها، وهو الَّذي يَنشَأُ منه الاعوِجاجُ، وكذلك المرأةُ عِوَجُها الشَّديدُ يكونُ في أعْلى شَيءٍ فيها، وهو خُلقُها وفِكرُها، «فإنْ ذهَبْتَ تُقيمُه كَسَرْتَه»، يَعني: إذا أَرَدْتَ أنْ تُقيمَ الضِّلَعَ وتَجعَلَه مُستقيمًا، فإنَّه يَنْكَسِرُ، وكذلك المرأَةُ إنْ أَردْتَ منها الاستِقامةَ التَّامَّةَ في الخُلُقِ أدَّى الأمرُ إلى كسْرِها، وكسْرُها طَلاقُها، كما في رِوايةِ مُسلِمٍ، وفيه: إشعارٌ باستِحالةِ تَقويمِها. «وإنْ تَركْتَه لم يَزَلْ أعوَجَ» على حالِه التي خُلِقَ عليها، فلا يَقبَلُ الإقامةَ، وهذا ضرْبُ مَثَلٍ لِما في أخلاقِ النِّساءِ مِن الاعوجاجِ، فإنْ أُرِيدَ مِنهنَّ الاستقامةُ ربَّما أفضَى ذلك إلى الطَّلاقِ. ثُمَّ قالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «فاستَوْصُوا بالنِّساءِ»؛ فإنَّه لا سَبيلَ إلى الانتِفاعِ بها إلَّا بالصَّبرِ على هذا الاعوِجاجِ مع مُداراتِها، فيَجِبُ الصَّبرُ عليهنَّ والإحسانُ إليهنَّ، وحُسنُ مُعاشرتِهنَّ مع ذلك. أو كأنَّ فيه رمْزًا إلى التَّقويمِ برِفقٍ، بحيث لا يُبالِغُ فيه فيُكسَرُ، ولا يَترُكُه فيَستمِرُّ على عَوَجِه، والحاصلُ أنَّه لا يَترُكُها على الاعوجاجِ إذا تَعدَّتْ ما طُبِعَتْ عليه مِن النَّقصِ إلى تَعاطي المعصيةِ بمُباشَرتِها، أو ترْكِ الواجبِ، وإنَّما المرادُ أنْ يَترُكَها على اعوجاجِها في الأُمورِ المباحةِ).

ومن هذا الحديث نخرج بقواعد:

·       إن أردت الاستقامة التامة من المرأة كسرتها بالطلاق.

·       لا سبيل إلى الانتفاع بالمرأة إلا بالصبر عليها مع مداراتها.

·       أهمية تقويمها برفق بحيث لا تبالغ فيه فتكسرها، ولا تتركه فتستمر على عوجها.

إذا عرضنا كثيرا من تصرفاتنا -بكل صراحة- مع نسائنا على هذا الحديث فإننا سنجد أننا مخالفون له مخالفة صريحة، فنحن نطالب المرأة بالكمال، ولا نترفق بها، وكثيرا ما نعاتبها ونقسو عليها، فإذا لم نجد ما نريد انتقلنا للطرف المقابل وأهملناها بالكلية!

لماذا تصبر على المرأة؟ لأنها ستخطئ كثيرا وتنسى كثيرا مع ما في خلقتها من الاعوجاج، أرجو أن تحفظ هذا الجواب المركّز.

الإضاءة السادسة: هل للنية ارتباط؟

هذا الكلام عميق، لكني أريد أن أتعمق أكثر فأقول: هل لنيتك ارتباط بسعادتك؟ والجواب: نعم بلا شك، فكثير من الرجال يبذل الغالي والنفيس في حياته الزوجية لكنه ينسى أمر النية فيفوته خير كبير وأجر كثير، فأكثر عملك ومالك وبذلك هو لزوجتك وأولادك فإن أردت منه الجزاء الدنيوي فحسب فقد فرطت في أجور كالجبال، ولذا انو فيما تبذله نيتان:

          الأولى: طلب ما عند الله من الأجر والثواب.

          الثانية: إسعادها، وأن يكون سببا معينا على نيلك من زوجتك ما تتمنى.

مع تغليب الأولى واعتمادها كأصل، وذلك لأن الناس عموما لا يردون لك مثلما بذلت لهم، فإن كان أصل بذلك لله، ثم طلبت الاستعانة على شيء مما تتمنى فقد وصلت، أقول هذا لأن كثيرا منا لا ينوي إلا طلب المقابل فإذا لم يأته خسر النفع الدنيوي والأخروي!

الإضاءة السابعة: وماذا بعد؟

وصلنا بعد هذه الرحلة السداسية إلى خلاصة وهي: أن الاستمتاع بالمرأة لا يتحصل إلا بطريقة خاصة إن أحسنتها نلت مرادك، وإن أخطأتها طالت حسراتك!

معاشر الرجال: إذا قمنا بالست السابقة فقد عالجنا النسبة الأكبر من هذه المشكلة، وتبقى نسبة يسيرة للنساء العنيدات أو اللاتي يعانين ظروفا خاصة تتطلب تعاملات خاصة، لكن الأصل أن هذه القواعد موصلة لجواب السؤال المقلق: كيف أنال من زوجتي الذي أتمنى؟

ويسعدني أن أصدمك أخي القارئ الكريم قائلا: إنني أعتقد أن كثيرا من النساء لا يزلن أبكارا، وأقصد البكارة المعنوية لا الحسية، وعندي على هذا من الشواهد الكثير، فمن خلال نظري في أحوالنا وجدت أن كثيرا من الرجال لم يستمتع بزوجته الاستمتاع الكامل، ولم يتنعم بها النعيم التام، ولم يتلذذ بكامل قدراتها وإمكاناتها، فالله قد وهب المرأة قوة جسدية، وقوة نفسية، وقوة قلبية، وقوة لسانية، تشبع من خلالها الرجل، ولذا جعلها الله سكنا له، لكن إهمالنا وتفريطنا في التعامل معها وغياب السداسية عنا هو الذي جعلنا لا نجد إلا الفتات من زوجاتنا، فأصبحن أبكارا لم تمس، وقدرات لم تستغل! فيا للعجب!

وتجاه هذا التعامل الجائر انقسم النساء إلى قسمين: فمن كانت تخاف من الله انكفأت على نفسها وانشغلت بدنياها، ومن لم تخف منه استعملت ما عندها من القدرات في الحرام -والعياذ بالله-، بل من العجيب أنني كنت أتجاذب الحديث مع د. خالد الحليبي -وهو من كبار المتخصصين في الأسرة في المملكة، وله خبرة واطلاع وتجربة- فذكر لي أن الدراسات الحديثة أثبتت أن شهوة المرأة لا تنتهي إلا بالموت، فهي باقية حتى بعد توقف الحيض في الخمسين، فيمكن لها أن تثار وتثير، وتتمتع وتمتع إذا أحسن الرجل التعامل معها!، وسبب انطفاء كثير من النساء إهمال أزواجهن لهن، ووصفهن بالعجائز، والبحث عن نساء أخريات!

إذا يمكن للرجل الذكي أن يستخرج من المرأة ما يسعده ويشبعه، بل يستخرج منها ما لا تتوقع وجوده فيها، فإن كثيرا من النساء تحتاج إلى تعليم وتدريب وصبر على هذه القضية كما أسلفنا.

إذا غاب هذا الفهم الذي أصلنا له في هذا المقال وجدت الرجل ينكفأ على نفسه ويطيل التذمر إن لم يقدر على التعدد، وسارع إليه إن كان قادرا، ولا أقصد هنا أنني ضد التعدد -والعياذ بالله- لكنني أصف حالة من لم يفهم القضية، الصدمة التي يجدها مثل هذا أن المشكلة تتكرر معه في زواجه الثاني والثالث والرابع!

ومن الشواهد التي وقفت عليها أنني التقيت يوما أحد الأصحاب وسألته عن سبب تعدده فقال لي: زوجتي الأولى كاملة في كل شيء إلا في الفراش، فهي لا تفقه فيه شيئا، وهذا ما دعاني للزواج عليها، فقلت له: لم لم تعلمها؟ فقال: التعلم مسؤوليتها لا مسؤوليتي، فحاولت أن أقنعه ولكنه أبى، ثم أخبرني أن الثانية أشبعته في الفراش لكنها سيئة الخلق! فصارت النتيجية أن كل واحدة منهن بحاجة إلى تعليم الأولى في الفراش، والثانية في الأخلاق!، واشتكي لي يوما أحدهم من سؤال المقال فأجبته بالسداسية فلم يقبل جوابي وسألني عن التعدد فلم أنصحه، والتقيته بعد سنة فأخبرني أنه تزوج عدة نسوة وأنه لا يزال يلهث وراء الشهوة والنساء ولم يجد الإشباع الذي يتمنى، فأخبرته بأن السر في جوابي الذي لم يقبله، فرفض مرة ثانية وزعم بأن الحل في التعدد لكنه لم يجد المرأة المخلصة كما يزعم!، وجلست مرة مع أحد زملائي المعددين واشتكى لي من سؤال المقال، وأنه لم يجد السكن لا مع الأولى ولا مع الثانية، رغم أن كل واحدة منهن من قبيلة، والثانية أصغر من الأولى؟! فأجبته بأهمية البذل من أجل الأخذ فلم يقبل مني، وسألته عن السوالف مع زوجته فقال لي: إن هذا الأمر تافه وهو لا يتحمله، فقلت: بينك وبين السعادة بُعْد المشرقين! وسمعته بعدها يقول مرة: أريد الزواج بثالثة، ومرة يقول: أريد أن أطلق الزوجتين فما منهن إلا الشقاء!

هذه المواقف نماذج على التعامل مع التعدد بنفسية الهروب لا بنفسية الاحتياج، فهؤلاء لم يريدوا أن يقوموا بالسداسية فاختاروا الهروب إلى التعدد أو زواجات المسيار، فكانت النتيجة واحدة، ولو أن الواحد منهم علّم زوجته وأحسن إليها لحفظ ماله ووقته من جهة، ولم يكسر خاطر زوجته الصالحة من جهة ثانية، ووصل إلى مراده من جهة ثالثة.

الإضاءة الثامنة: فإن لم يكن

بعد هذا الحديث هناك من يسأل: ما الحل إذا لم تنفع الإضاءات السابقة فأجيب: إن كنت لم تطبقها فهذا سؤال عبثي، وإن كنت طبقتها ولم تنجح فحتما أن في تطبيقك خلل، فإن لم يكن فيه خلل، أو طبقت ونجح فترة ثم توقف، فأقول: نعم هنا أنت وصلت إلى المرحلة الثانية، وجوابي عن هذه المشكلة: أن زوجتك إحدى حالتين: إما أن تكون قادرة على البذل لكنها غير راغبة، وإما أن تكون غير قادرة، فإن كانت الأولى فاضغط حتى تصل إلى مرادك، وإن كانت الثانية فأنت بحاجة إلى تعدد فيما يظهر، والله أعلم، لكن قرارا مثل هذا لا تتخذه بعد قراءة مقالي، وإنما بعد سؤال مستشار متقن.

ختاما

هذه الرؤية هي عبارة عن وصفة لصناعة الحب الحقيقي، فالحب يُصنع، والمودة تُبنى، وهي طريقة عملية لتحقيق السكن الزوجي، والله أسأل أن تكون معينة على استقرار الأسر، وسببا لتلذذ النفوس بالحلال، والتقوي بذلك على طاعة الله تعالى، راجيا من قارئ هذا المقال أن يعطي المادة حقها قراءة، وفهما، وتطبيقا، كما أعطيت المقال حقه تأملا، وكتابة، ونظرا.

اللهم اجعل زوجاتنا قرة عين لنا، واجعلنا قرة عين لهن..

 

تم بحمد الله الحادية عشر والنصف من ليلة الثلاثاء

العشرون من رجب، لعام ستة وأربعين بعد الأربع مائة والألف


لفتة (29) كيف أتقن فقه الحج؟

  [29] كيف أتقن فقه الحج؟ الأربعاء 25/3/1447هـــ المقبل على العلم الموفق فيه هو الذي يولي قضية ضبط العلم عناية خاصة، وذلك لأنها طريق...